للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأستاذ أحمد أمين في هذا المقال بأقل ابتعاداً عن الحق من الذي عرضنا له

جناية!!

والأستاذ أحمد أمين هو الذي حمل على الأدب العربي، وحقر الشعر الجاهلي، ودفع بحجته في وجوب نبذ هذا الأدب وذلك الشعر الجاهلي لأنه كان جناية على أدبنا. وأنا كنت هممت أن أؤدي واجبي للأدب العربي وبإظهار فساد هذه الآراء التي لم تنضج ثمراتها، ثم رجعت عن ذلك، رغبة أن يترك مثل هذا الرأي حتى يفنى في نفسه، لعلمي - بالاستنتاج - أن الأستاذ ليس أديباً ناقداً، والناقد أديب مضاعف، وقدرته على الأدب أكبر من قدرة الأديب المحض. وقد أحببت أن أقف على كلمة في مقالة الأستاذ أحمد أمين (رحلة) تدلك على أن رأي الأستاذ في الأدب العربي والشعر الجاهلي رأي لا يؤخذ به، فقد قال: (وهاهم أولاء رفقة كأن أخلاقهم سبكت من الذهب المصفى، وكأن شمائلهم عصرت من قطر المزن) وهي جملة لا ينطق بها أديب متمكن ألبته، فما ظنك بأديب ناقد، وأنا لا أعرف كيف يعصر قطر المزن (أي الماء)، وهو لا يمكن أن يعصر. ونحن لا نشك في أن الذنب ليس للأستاذ الجليل، وإلا فهو ذنب الشيخ اليازجي صاحب (نجعة الرائد، وشرعة الوارد، في المترادف والمتوارد). . . الخ، الذي ذكر هاتين العبارتين بنصهما وترتيبهما في فصل (كرم الأخلاق ولؤمها) ص٧٠ الطبعة الثانية، وهما من حشد الشيخ الذي لا يقوم على أصل من البيان والبلاغة.

أجل، إن كثيراً مما وقع في كتاب الشيخ اليازجي - على جلالته -، إن هو إلا مجازات واستعارات كأخيلة المحموم مادتها من الهذيان اللغوي الذي لا يصل إلى الحقيقة بأسباب من منطق العقل. والبلاغة ليست إلا حفظ النسبة بين الحقيقة اللغوية، والمجاز البياني، فكل ما لم يكن كذلك من المجاز والاستعارة فهو لغو يتشدق به من ليس له طبع أدبي رفيع. وجهد اليازجي كان حشداً من كلام العصور المتقدمة في العربية، فأخذ من الجيد والرديء على غير نقد أو تمييز.

فكان واجب الأستاذ أحمد أمين - الآري على الشعر الجاهلي وواصمه بالجناية على الأدب العربي - أن ينقد مثل هذه العبارات الضعيفة المتهالكة التي لا تتصل بسبب إلى البلاغة العربية على اختلاف عصورها - لا أن ينقلها إلى كلامه. وإلا فلينظر الأستاذ إلى أثر هذه

<<  <  ج:
ص:  >  >>