يضيء للشباب معاني الحياة المظلمة بالجهل، فإذا انقلب السراج فإنما هو الحريق وانتشاره ومعمعته ومضغه قوة الشباب بفكين من نار حطمة
الرحلتان
ويذكرني هذا ما يقطع عليّ نهاية الرأي. فقد قرأت أخيراً مقالتين، إحداهما للدكتور طه، والأخرى للأستاذ أحمد امين، وهما بهذا العنوان (رحلة). وقد تعود الأستاذان أن يتقارضا المقالات منذ أسابيع طويلة، وأكثرا في ذلك إكثاراً لا يمكن أن يغضي عنه؛ وكنت أحب إلا أعرض له لعله ينتهي إلى نهايته، فإذا هو شيء لا ينقطع. فمن يوم أن كتب الأستاذ أحمد أمين ما كتب وسماه (مدرسة الزوجات) وقارضه الدكتور طه (بمدرسة الأزواج) ثم (مدرسة المروءة) ثم (مدرسة. . .) إلى آخر هذه الأشياء، وافتتنا بهذه الطاحون التي تدور على دقيق مطحون قد فرغ منه - من ذلك اليوم وأنا لا أرى فيما يكتبان إلا استسلاماً للقلم وبدواته وبوادره، واجتلبا في ذلك من الرأي ما لا يستقر ولا يتماسك.
وفي هاتين الرحلتين رأيت العجب!! فالدكتور طه مثلاً قد أطال في تحقير مصر والزراية عليها وعلى أرضها بما احتمله عليه الغضب الذي رغب في إنشاء مدرسة له يسميها (مدرسة الغضب) رحل الدكتور طه بالسيارة في الطريق الزراعية فغاظه التراب الذي يثور من حوله فيطلق لسانه بهذه الأسئلة (لماذا ندفع الضرائب؟ وفيم تنفق الدولة أموالنا؟ وماذا تصنع الدولة؟ ولماذا ننشئ الدولة؟)
فليخبرنا الدكتور طه عن السبيل الذي نتقي به الزراية على أرض مصر! ماذا تصنع الدولة في طريق عن جانبيه تلك الأرض الخصبة الواسعة التي تسقي لتطعم أهل مصر من خيراتها؟ كيف تتقي الدولة مرور الناس والدواب وأرجلهم تحمل أوحال الأرض الخصبة فتمر بها على الطريق الزراعي الممهد، فتأتي الشمس المصرية الملتهبة فتجفف الوحل فيثور تراباً؟ أن هذا كلام يقال في البلاد الباردة التي لا تفعل الشمس فيها ما تفعل في أرض مصر الغبراء، هناك في (قرية من قرى السفوا أو الدوفنييه أو الكانتال، على قمة جبل من هذه الجبال التي ألف الدكتور طه الاعتصام بها إذا أقبل الصف، والتي فارقها في الصيف وقلبه يتقطع حسرات) أو كما قال. . .! أن مثل هذا يجب أن يلغي من آراء أدبائنا، أن لم يكن من أجل أنفسهم فمن أجل من يتولاهم من الشباب. وليس أكثر آراء