حين تبدأ تتفتح عن أكمامها لتعمل عملها في إنتاج الثمر إما غضا شهياً وإما فجاً متعفناً موبوءاً.
هل يمكن؟
فهل يمكن أن يكون أدباؤنا ممن يتقبل النصح الخالص الذي لا تحمل عليه ضغينة أو رياء أو حيلة؟ وهل يمكن أن يعرف أحدهم أن ليس في الدنيا أحد هو أعلى من أن يتعلم، ولا أحد أقل من أن يعلم؟ وهل يمكن أن تفرغ النفوس التي نفختها الكبرياء من الروح النافشة التي لا طائل تحتها؟
لقد جعلت مقامي في هذا الباب مقام المذكر الذي يجب أن يؤدي واجبه لمن يقرأ كلامه، فأنا لا أستطيع إلا أن أتكلم بكلامي وإن أغضب من لا يرضى إلا بما يرضيه من الملق والدهان والمماسحة، وقد انقضت أسابيع طوال من أسابيع الأدب، وأنا أزداد كل يوم شكاً في مقدرة أدبائنا على الإنتاج الأدبي الرفيع الذي يمكن أن يخلد في تاريخ الأدب؛ وقد تتبعت أقوال هؤلاء وأساليبهم فلم أجد إلا كل ما يحفزني على المصارحة والنصح وإبداء الرأي مكشوفاً غير مكفن.
وأنا لو كنت أحمل نفسي على تتبع هؤلاء واحداً بعد واحد أنقد أقوالهم على التفصيل دون الجملة، ثم أقيد ما أريد بالكتابة في هذا الباب من (الرسالة) لما كفاني القدر الذي أكتبه، ولما استطعت أن أستوعب الرأي في كل ذلك على أسبوع أسبوع، فلذلك تجنبت جهدي أن أعرض لأشياء كانت تقتضيني أسابيع في تقصيها وتفصيل أجزائها، وبيان مكان الفساد منها، والدلالة على قلة عناية هؤلاء بقرائهم، وصغر احتفالهم بالأدب الذي اتخذوه لهم صناعة عرفوا بها عند الناس، حتى صاروا للشباب أئمة بهم يقتدون. نعم، وكأنهم لا يعرفون أن ما يخرجونه للناس أن هو إلا غذاء جيل من الشبان يأخذ عنهم ويحتذي عليهم، فإن يكن في الذي يأتون به فساد فهو إلى إفساد الشباب الجديد أسرع، وفي طبائعه اللينة أعمل وأوغل؛ فأيما خطأ صغير منهم فهو عدة أخطاء كبار في الذين يلونهم من الشباب المقلد المسكين.
إن أمثال الدكتور طه حسين والأستاذ أحمد أمين والدكتور زكي مبارك والأستاذ الزيات وفلان وفلان من كبار الأدباء هم من هذه الأمة الشابة من الناس بمنزلة السراج الذي