على (الوحدة) فأرشده (عازف القانون) فزجر قائلاً: خلَّ الوحدة لك ولأمثالك، إنني أغني لهؤلاء الذين يفهمون الموسيقى!
ولهذا لا يمكن لمطرب يغني لحن غيره، ويترجم إحساس غيره، أن يصل إلى درجة مطرب يلحن لنفسه ويترجم إحساسه مهما أوتي من حسن الصوت وجمال الإلقاء، لأنه يكون ممثلاً وحاكياً، بل يكون كاذباً في رسالته، والموسيقى لا تعرف الكذب لأنها هي نفسها رسالة صادقة!
رب قارئ يقول إنه يسمع بعض المطربين والمطربات من الذين يغنون تلحينات غيرهم قد وصلوا إلى مرتبة سامية لا تدانى، حتى من الذين يلحنون لأنفسهم؟ وردي على هذا الاعتراض أن القارئ سيقتنع إذا عرف أن هؤلاء المطربات والمطربين لا ينتزعون الإعجاب ولا يسيطرون بسحر فنهم وصوتهم إلا إذا انطلقوا من جو تلحين الموضوع وتصرفوا من عندهم التصرف الذي يمليه إحساسهم. . .
إن بعضنا يسمع (أم كلثوم) مثلاً وهي تغني قطعة موضوعة مرسومة فيظل هادئاً أو مشجعاً حتى إذا تصرفت وترجمت إحساسها هاج وماج وفقد سلطانه على نفسه!
وعبد الوهاب، هناك من هو ألمع منه صوتاً وأصفى نبرة ومع ذلك لا يقاس أليه، لم؟ لأن عبد الوهاب لا يترجم للناس إلا إحساسه، ولا يصور لهم إلا روحه. . .
وما لنا نذهب بعيداً؟ أن القصبجي والسنباطي وزكريا وهاشم ومحمود صبح، وهم أئمة التلحين في مصر والشرق قاطبة، لو غنوا تلحيناتهم بأنفسهم - وبعضهم قبيح الصوت - لأدوها أحسن من غيرهم ولو كان أجمل صوتاً وأقوى أداء، وليس هذا بعجب أو غريب، فلن يكون المقلد كالمقلد أبداً. . .!
لنرجع إلى الفن الملهم والفن المكتسب. . .
في الشرق والغرب بعض العلماء الذي تخصصوا في دراسة النظريات والقواعد الموسيقية فألموا بها إلماماً تاماً، وأصبحوا (علماء) ينتفع بعلمهم وطرقهم في دراسة الموسيقى الذين يعتقدون أن الموسيقى تخضع للدرس والبحث كما قلنا، ومع ذلك ترى هؤلاء العلماء تساوون مع الجميع - إلا الموهوبين - في العجز عن فهم الموسيقى الحقة وعدم القدرة على الوصول إليها! لأنهم يصفون الطرق والمسالك التي تؤدي إليها ويزعمون أن الإنسان