من هذا الصراع. بل إن طول احتكاكها باللغة الأخرى يجعلها تتأثر بها في كثير من مظاهرها وبخاصة في مفرداتها
ويختلف مبلغ هذا التأثر باختلاف الأحوال: فتكثر مظاهره كلما طال أمد احتكاك اللغتين وكان النزاع بينهما عنيفاً والمقاومة قوية من جانب اللغة المقهورة؛ وتقل مظاهره كلما قصرت مدة الصراع أو خفت وطأة النزاع أو كانت المقاومة ضعيفة من جانب اللغة المغلوبة. فلطول الأمد الذي استغرقه الكفاح بين لغة الإنجليز السكسونيين بإنجلترا، ولغة الفاتحين من الفرنسيين النورمانديين (الذين أغاروا على بلاد الإنجليز في القرن التاسع الميلادي واحتلوا معظم مناطق إنجلترا كما سبقت الإشارة إلى ذلك) ولشدة المقاومة التي أبدتها اللغة النورماندية المقهورة، خرجت اللغة المنتصرة (الإنجليزية) من هذا الصراع، وقد فقدت أكثر من نصف مفرداتها الأصلية واستبدلت به كلمات من اللغة النورماندية المغلوبة، واقتبست منها فضلاً عن هذا مفردات أخرى جديدة. على حين أن لغة بلاد الجول التي انتصرت عليها اللغة اللاتينية لم تترك في اللغة الغالبة أكثر من عشرين كلمة؛ واللغات القبطية والبربرية المغلوبة لم تكد تترك أي أثر في اللغة العربية الغالبة. وذلك لأن الصراع في هذين المثلين، على طول أمده، لم يكن عنيفاً، ولم تلق في أثنائه اللغتان الغالبتان (اللاتينية في المثال الأول والعربية في المثال الثاني) مقاومة شديدة من جانب اللغات المقهورة (لغة الجول السلتية في المثال الأول، والقبطية والبربرية في المثال الثاني)
وتختلف كذلك النواحي التي يبدو فيها تأثر اللغة الغالبة باللغة المغلوبة تبعاً لاختلاف الأحوال التي تكون عليها كلتا اللغتين في أثناء اشتباكهما. ويبدو هذا التأثر بأوضح صورة في النواحي التي تكون فيها اللغة المغلوبة متفوقة على اللغة الغالبة. ولذلك تألف معظم المفردات التي أخذتها الإنجليزية الغالبة عن الفرنسية النورماندية المغلوبة، من كلمات دالة على معان كلية وألفاظ تتصل بشئون المائدة والطهي والطعام. وذلك لأن النورماندية كانت غنية في هاتين الطائفتين من المفردات؛ على حين أن الإنجليزية كانت فقيرة فيهما كل الفقر؛ فعمدت إلى خصيمها المقهور واستلبته ما كان يعوزها قبل أن تجهز عليه. وإلى اقتباسها منه الألفاظ المتصلة بشئون المائدة والطهي وألوان الطعام يرجع السبب في أسلوبها الغريب في تسمية الحيوانات المأكولة اللحم. فكثير من هذه الحيوانات يطلق على كل منها