الخارجي، وجانبه المادي، فلم يكن هناك حق معنوي ولا التزام روحي. ولا يمكننا أن نتوقع في تلك البيئات المحدودة والقبائل المتخاصمة حقوقاً تشمل الأفراد على اختلافهم، بل لأبناء القبيلة الواحدة حقوق لا يمكن أن يقاسمهم فيها أبناء القبيلة الأخرى، ولا زلنا حتى اليوم نفرِّق بين الأجنبي والوطني في بعض الحقوق والواجبات.
غير أن الحقوق الإنسانية لم تقف عند هذه المظاهر الأولى، بل تطورت وتدرجت، فتولد إلى جانب الحقوق الدينية حقوق أخرى مدنية، وأخذت العادات والتقاليد تنزل من النفوس منزلة التعاليم الدينية، وصيغت في قالب أوامر وقوانين محترمة. ورأينا الفرد يبرز بجانب الشعب والقبيلة، فعرفت شخصيته واحترمت حقوقه؛ ومن أهم مميزات حضارتنا الحاضرة احترام الشخصية الإنسانية وتقديس ما لها من حقوق. ومن آثار هذا التطور أن تجردت الحقوق من قيودها الشكلية ومظاهرها المادية، فنشأت حقوق معنوية وروحية تمتاز كل الامتياز عن الحقوق الشخصية والعينية، وأضحى الإنسان، وكلمته حجة، وتعهده وثيقة لا تقبل النقص. وانتهت الإنسانية أخيراً إلى طائفة من الحقوق يتساوى فيها الجميع ولا يفرق فيها بين صغير وكبير، ولا بين أمير وحقير، ولا بين أجنبي ووطني؛ هي حقوق الإنسان كيف كان أصله ومنبته ومستواه الاجتماعي وجنسيته.
ولم يتم هذا التطور عفواً ولم تتنوع هذه الحقوق اعتباطاً وإنما أثرت فيها على عوامل مختلفة وساعدت على نموها واطرادها أسباب شتى. فغرست الديانات بذورها الأولى، ولولا الدين ما عرفت القبائل الهمجية حقاً ولا احترمت مبدأ، وفي تشعب الحياة السياسية والاقتصادية ما قضى بتنوع الحقوق وازديادها، فالنظم الدستورية تعترف للأفراد بحقوق ما كانت تسلم بها الحكومات الاستبدادية، وكثيراً ما طالبت الجماعات بحقوق تحميها من ظلم الظالمين وعدوان المعتدين، والأجهزة والآلات فرضت للعمال على أصحاب المصانع ورؤوس الأموال حقوقاً ما كانوا يطالبون بها من قبل، وكلما امتدت وسائل الحضارة في بيئة ما كثرت الحقوق وتعددت المسئوليات، وليست الحقوق في رقيها وتطورها بخاضعة لعوامل اجتماعية فحسب، بل للفرد في هذا التطور دخل كبير، فكثير من الحقوق لم يسلم به إلا بعد أن دافع عنه وناضل في سبيله أفراد متعاقبون، وكم أدخل العلماء والباحثون على فكرة الحق من تهذيب وتنقيح ما كان للجماهير أن تصل إليهما