للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جسده. وعلام أطيل في تصوير الحال التي هو فيها، وقد وصفها هو على أدق وأكمل شكل في القصيدة التالية وعنوانها (كأس تفيض). قال:

تعللتُ دهراً بالمنى فإذا بها ... قواريرُ من مسِّ الصبا تتحطمُ

لعمرك لا أدري على أيّ منطق ... أُشاهد في مصر الحظوظَ تقسمُ

فمن يكُ ذا قربى وصهرٍ فإنني ... بمصرَ وحيدٌ لا شقيقٌ ولا حمُ

فلا غروَ أني قد سكنتُ بأرضها ... كما سكنتْ أهرامها والمقطمُ

أَيذوي شبابي بين جدران قريةٍ ... يبابٍ كأن الصمتَ فيها مخيّمُ

أكاد من الصمت الذي هو شاملي ... إِذا حُسب الأحياءُ لم أكُ منهمُ

وعاشرتُ أهليها سنينَ وإِنني ... غريبٌ بإحساسي وروحيَ عنهم

يقولون: خضراءُ المرابعِ نضرةٌ ... فقلتُ: هبوها؛ لست شاةً تُسوَّم

على رَسلكم إِني أُقيم بقفرةٍ ... يجوز على الأحياءِ فيها الترحم

حياةٌ كسطح الماءِ والماءُ راكدٌ ... فليس بها شيءٌ يسرُّ ويؤلم

وما أبتغي إلا حياةً عنيفةً ... تسرُّ فأرضى، أو تسوءُ فأنقم

حياة كلجّ البحر والبحرُ زاخر ... تدوّي بها الأنواءُ والرعدُ يهزم

حياة بها جدٌّ ولهوٌ، بها رضىً ... وسخطٌ، لها طعمانِ: شهدٌ وعلقمُ

حنانيكَ إِني قد برمتُ بفتيةً ... أروحُ وأغدو كلّ يوم إِليهمُ

صغارٌ نربيهم بمثل عقولهم ... ونبنيهمو لكننا نتهدّمُ

لأوشك أن أرتدّ طفلاً لطول ما ... أُمثل دورَ الطفل بين يديهمُ

فصولٌ بدأناها وسوفَ نعيدُها ... دواليك، واللحن المكرر يُسأم

فمن كان يرثى قلبه لمعذَّبٍ ... فأجدرُ شخصٍ بالرثاءِ المعلّم

على كتفيه يبلغُ المجدَ غيرهُ ... فما هو إلا للتسلُّق سلّمُ

يقولون: مِنطيقٌ أغرُّ بيانهُ ... فقلت لهم: لكنّ حظيَ أبكم

أرى الحظَّ منقاداً لكلِّ مهرجٍ ... فأما على الأكفاءِ فهو محرّم

ألا فليسُدْ مَن شاَء حسبيَ أنني ... ضننت بماءِ الوجه حين تكرموا

فهل هناك ما هو أوهى من هذه القوارير التي كنى بها عن أمانيه العاثرة، وقد وصفها

<<  <  ج:
ص:  >  >>