بكونها تتحطم من مس أخف وألطف النسمات؟ وهل هناك ما هو أدل على حقيقة الواقع من أن لا منطق على الإطلاق في توزيع الحظوظ؟ وربما صح هذا الحكم على الشهرة نفسها إذ لم يقم أديب إلا اختلف الناس في تعيين مقداره، وطالما كانت الشهرة نصيب من لا يستحقها لعوامل وأسباب لا علاقة لها بالكفاية المجردة، كأن تسخر الأقدار لغير كفء ما لا تسخره للكفء من المذيعين والمطبلين والمزمرين لهوس أو غاية في النفس. وأين نجد صورة للعزلة التامة لمقيم في القطر المصري كالأهرام والمقطم، يلي ذلك وصف الضجر والسآمة، فحياة المعلم والأدوار التي يمثلها، فالاعتصام بعد كل الشكاوي المؤلمة بالصبر والاستمساك بالأنفة والإباء؟
ثم عثرت على صورة ثانية استوثقت منها أن محمود غنيم لا يعدم تعزية، عما هو فيه مستمدة من محيا صغيريه اللذين لا يسأم مداعبتهما كلما عاد إلى منزله عودة الطائر إلى عشه طلباً للراحة والدفء والقوت وهاك ما يقوله في وصف هذا المشهد بعنوان:(حول المدفأة - أنا وابناي):
وأطيب ساعِ الحياة لديَّا ... عشيةَ أخلو إلى ولديَّا
فأُجلس هذا إلى جانبي ... وأُجلس ذاك على ركبتيَّا
وأغزو الشتاَء بموقد فحمٍ ... وأبسطُ من فوقهِ راحتيَّا
وأحسبني بين طفلي (شاهاً) ... وأحسب عشيَ قصراً عليَّا
وما حاجتي لغذاء وماء ... بحسبيَ طفلايَ زاداً وريَّا
فيا ليت شعري أتمتدُّ بي ... حياتي فأجنيَ غرس يديَّا
وأشهدَ طفليَ حين يشبُّ ... فتىً عاليَ النفس شهماً أبيا
أبوك امرؤ من رجال الكلام ... فكن أنت يا ابني امرأَ عمليا
فما احتقر الناس إلا الأديب ... ولا احترمَ الناسُ إلا الغنيَّا
أيا ابنيَّ أحبب بما تكسرانِ ... وأهوِن بما تتلفانِ عليَّا
فانظر إلى العاطفة الوالدية الصادقة المتجسمة في هذه الأبيات وأكبر معي التضحية إلى أقصى حدودها كرماً لتلك العاطفة الفياضة بالشعور والحنان، إذ ترافق عدم الإمكان الاستهانة التامة بكل ما يمكن أن يكسره الصغيران المحبوبان، أو يتلفاه إلى حد استحلاء