الإضرار وتشجيعهما عليه، وما يتخلل ذلك من تمنيات وعظات.
ومما تقدم رأيت كل الجمال في روح محمود غنيم. على أني افتقدته في رسمه القاتم في بعض صفحات (الرسالة) شاهداً على أن لا علاقة البتة بين المظهر والمخبر، ولكن حبذا الدمامة في الخلق إذا كانت ترافقها مثل هذه الوسامة في الخلق. وعلام أشكو مما يزيد غنيماً شبهاً بحافظ كما يزيد ترشيحه لخلافته تبريراً!
هذا هو محمود غنيم الذي أقدمه الآن لقراء العصبة فخوراً بأنني أقدم شاعراً مجيداً، إذا لم يضارع حافظاً في أصيله فإنه يجاريه في ضحاه، وها حاضره يبشر بمستقبل ربما كان أخصب وأجدى. ومما يرجح كفته في نظري هو عقم محيطه بالنسبة إلى محيط حافظ أيام كان يطلق صيحاته وأغاريده في القاهرة حيث المجال الرحب والموحيات والمستثيرات على أنواعها، وكلها مما يفجر الشاعرية، ويبعث الكوامن ويعين على الإجادة. أضف إلى ذلك أنه منذ البداءة حافظيُّ في تأنقه وتدقيقه وبراعته في تخير الألفاظ والبحور والقوافي التي تماشي روح القصيدة، وتكسبها خاصة الإعراب عن مرامي ناظمها، وتساوق حركات وسكنات الحدث الذي تدور عليه أو المناسبة التي اقتضتها
أما مستندي فما سبق وما سيلي مما اقتبسته واجتزأت به مكرهاً بداعي ضيق المجال، من بضع قصائد احترت في ما أختاره وما أهمله من أبياتها الحسان، وهذا بذاته يدعو إلى الإعجاب بخصب قريحة الشاعر وسعة اطلاعه ومقدرته على الإجادة، حتى في أتفه الموضوعات المطروقة وأبعدها عن استرعاء الالتفات؛ إذ يغلب في الشعر أن يكون الجيد منه هو الأندر، فكيف وقد رأيت الندرة نصيب ما يمكن الاستغناء عنه على رغبتي في الاختصار تفادياً من التطويل وخشية الملل؟
شعر تصويري سداه الدقة، ولحمته الأمانة في الأداء، ونزعة حرة، وفكر طليق من سيطرة الأوهام، وخيال واسع يتغلغل في الأعماق ويكشف الخفايا، ونفس طموح لا يكبح جماحها إلا الإباء المستحب.
اسمعه يصف راتبه بأبلغ ما يدل على سهولة وسرعة التفلت وقلة الوفاء بالحاجة، ويجيد التخلص إلى نصيحة غالية يسديها إلى أبناء قومه محذراً إياهم من عواقب الوكل، وكارهاً لهم الأعمال ذات الكسب المحدود: