وقد تولى هو بنفسه سفك بعض من الدماء أيضاً، ومن ذلك دم سليمان بن هشام بن عبد الملك، فإنه كان قد وفد عليه من الشام فرحب به وقربه واستلطفه، للذي كان بينه وبين ابن عمه مران بن محمد، فكان سليمان يختلف إلى مائدة أبي العباس في كل يوم، فيتغدى معه ويتعشى، وكان كأحد وزرائه أو فوقهم، وكان يجلس أبا جعفر عن يمينه وسليمان عن يساره، ومازال هذا شأنه حتى دخل سديف بن ميمون مولى بني العباس فأنشده:
لا يُغرّنك ما ترى من رجالٍ ... إن تحت الضلوع داء دَويّا
فَضَعِ السيف وارفع السوط حتى ... لا ترى فوق ظهرها أمَوِيَّا
فأمر أبو العباس بسليمان فقتل، ونسى ما كان من أمانه وإكرامه له، وكذلك قتل وزيره أبا سلمة الخلاَّل، ولم يكن له ذنب عنده إلا اتهامه بالميل لبني علي، وأمر أيضاً بقتل ابن هبيرة بعد أن أخذ عليه من الأمان ما أخذ، فلما مضوا نحوه خر ساجداً وقال: ويحكم نحوا عني هذا الصبي لا يرى مصرعي، فضربوه حتى مات ساجداً
ويطول بنا الكلام لو ذهبنا نستقصي ما سفك أبو العباس وأعمامه واخوته من الدماء، ولقد كانوا كلهم شركاء فيها ما عدا سليمان بن علي، فإنه كان أحنهم على بني أمية، وكان يكره سفك دمائهم، ويجير كل من استجار به منهم، حتى كان أبو مسلم يسميه كنف الأمان، وهو الذي كتب في بني أمية إلى أبي العباس: يا أمير المؤمنين، إنا لم نحارب بني أمية على أرحامهم، وإنما حاربناهم على عقوقهم، وقد دفت إلى منهم دافة لم يشهروا سلاحاً، ولم يكثروا جمعاً، فأحب أن تكتب لهم منشور أمان. فكتب أبو العباس منشور أمان لهم، وقد مات سليمان وعنده بضع وثمانون حرمة لبني أمية
فهذا هو العباسي الوحيد الذي كره سفك الدماء، ولم يكن يباهي بسفحها كما باهى أبو العباس وغيره من أعمامه واخوته، وهو الذي كان يصح أن يهتم الأستاذ العبادي بنفي لقب السفاح عنه لو ألصق به، أما أبو العباس فإن سيرته بعد الخلافة طافحة بسفك الدماء، ومن التجني على التاريخ أن يقول الأستاذ العبادي إنه رجع إلى سيرته قبل الخلافة وبعدها فلم يجد ما يسوغ تلقيبه بالسفاح بمعنى القتال، وهو في هذا أشد من أبي العباس غيرة على نفسه، أو كما يقولون: ملكي أشد من الملك، لما سبق من تباهي أبي العباس بسفك الدماء، ومن وصفه نفسه في بعض خطبه بما لا يرضي الأستاذ العبادي أن يوصف به