وكيف كان يمكن أن يقوله لو لم يشعر بأن هذه الأرض أرض الله حقاً، وأنه للناس أن يعيشوا فيها كما يعيش الطير في السماء. . . والله يرزقهم. . . وهل في الدنيا شعور باللذة أبلغ من شعور الطلاقة هذا؟ لا ريب أن هيجو كان يشعر باللذة حين كان يشعر بالشقوة ولا ريب أنه عانى في هذا الاضطراب كثيراً، ولعلك تذكرين أنه عبر عن اضطرابه هذا بلسان الأحدب إذ أفلتت منه معشوقته، ورأى أن عليه توديعها لصاحبها:(رب! لماذا لم تخلقني حجراً؟!). . . واحتضن صنما. . .
- فهو كان يرى الحجر أسعد من البشر. . .
- وهذا الذي يراه كل من عجز، وهو الذي يراه أخيراً كل من كفر. . . أما يقول القرآن: إن الكافر سيقول يوم القيامة (يا ليتني كنت ترابا)؟!
- وهل كان الأحدب كافراً؟
- بل كان هيجو مؤمناً. . .
- ما لهيجو؟ إنما نحن الآن في الأحدب.
- والأحدب من هيجو، وليس هو وحده الذي منه، وإنما منه أيضاً كل من في القصة وكل ما فيها، فإذا رأيت أنه يضطرب في الأحدب العاجز حتى ليتمنى أن يكون حجراً، فانظري إليه كيف يختم حياة ملك الشحاذين بثقل ينزل عليه من فوقه في الوقت الذي يتزعم فيه ثورة عنيفة فيها ضرب وكر وفر، وفيها موت يراه بعينيه يتخطف الناس من حوله ولا يحسب لنزوله به حساباً ثم انظري هيجو كيف يغمس في التوفيق شاعر القصة الذي سيق إلى الملك متهماً بإثارة القلاقل وتهديد الأمن العام بالشعر الحانق فما يزال الشاعر المؤمن بشعره يقنع الملك بوجهة نظره حتى يحكم الملك في قضية الشعب حكماً عدلاً يضع حداً للثورة التي لو لم يعمد ملك الشحاذين إلى القوة فيها وانتظر حتى يحق الحق القول الصادق لما لقي فيها حتفه، ولفاز في آخر الأمر بالذي كان ينشد، انظري إلى هذا وانظري إلى غيره تري أن هيجو كان مؤمناً. . . وأنه كان ينظر إلى الأحدب نظرته إلى الكافر
- إذن فقد كان هيجو يكره الأحدب؟. . .
- لا، وإنما كان يرثى له. لأنه لما احدودبت نفسه قدر نعمة الرحمة، وقد نصحه ونصح