كل أحدب أن لا يطمع في غير ما هو أهله وأن يرضى بما هو فيه، كما نصح ملك الشحاذين وكل من هو معتز بقوته مثله أن يكف عن القوة والاعتزاز بها. كما أظهر رضاه عن الشاعر الراضي الفيلسوف الذي يصبر على حبيبته أن تحب غيره حتى تهتدي إليه وتحبه، كما أنه حذر الناس جميعاً من التراجع عن تلبية حسهم، حين جعل الملك يحكم الخنجرين في أمر الغجرية إذ عصب عينيها وقال لها: اختاري من هذين واحداً، فإذا قبضت على خنجري فأنت بريئة فإذا أمسكت الآخر فأنت مذنبة، فامتدت يدها أولاً إلى خنجر البراءة ولكنها تراجعت فعانت بعد ذلك ما عانت. . . كل هذه دلائل إيمان وصبر أضاءا في نفس هيجو. . . فأضاءا قصته هذه وخلداها. . . وإلا فما الذي تحسبينه حفظها وأبقاها؟
- أنها مكتوبة بلغة رائعة وأسلوب رائع. . .
- لا. فما خلدت اللغة وما خلد الأسلوب شيئاً فما هما إلا من أدوات الفن وليسا الفن نفسه. . . إن ملايين الناس في الأزمنة والأمكنة المختلفة ليحبون هيجو، ومنهم من لا يقرأ ولا يكتب لا الفرنسية ولا غيرها، ولكنه يفهم هيجو من إشارات الممثلين وأصواتهم ويقنع بهذا. . . إن الناس جميعاً يرون في أحدب نوتردام صدقاً وعدلاً وأحكاماً تجب في مواقف تستوجبها، فالموت لمن يستحق الموت حيث يجب الموت، والهناء لمن يستحق الهناء حيث يجب الهناء. . . لم شذ هيجو عن العدل في حكم من أحكامه ولم يحاب بطلاً من أبطاله، ولم يعط في دنياه هذه التي جمعها حقاً لغير صاحبه، ولم ينزل بها نكبة على مؤمن
- وهذا القسيس النبيل الذي عشق الغجرية فكان في غرامه هلاكه، ما ذنبه؟
- ذنبه ضعفه. . . هذا قسيس وهب نفسه لله، واطمأن بهذه الهبة على حياته ومستقبله، فما له يريد أن يسترد مما أعطى الله شيئاً من نفسه يعطه غانية صغيرة؟. . . ما له يشعر بهذا الضعف، وماله حين يشعر به لا يعالجه بإيمانه وعزمه، وما له حين يضعف عن علاجه بإيمانه وعزمه لا يكون صريحاً في إعلان ضعفه؛ فإما أن يرتد على عقبيه خطوات في طريق تقواه وورعه، فيخلع مسوح القسيس ويدع الكنيسة وينزل إلى الدنيا، كالمؤمن إذا ارتد، يعرض نفسه على غانيته كما يعرض كل رجل عليها نفسه فإذا اختارته سعد فإذا أعرضت عنه كان عليه أن يرضى. . . كان هذا هو الواجب عليه أن يصنعه ولكنه لم