للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من النبلاء - وإن لم يكن في طبعه شيء من صفات النبل وكرم النفس - مقرباً من الملك، صديقاً له، لا يخطو الملك خطوة إلا عن أمره، ولا يقطع في رأي إلا بمشورته؛ فرآها يوماً خارجة لنزهتها المعتادة، منتصبة فوق صهوة جوادها، رافعة الرأس، باسمة للطبيعة يتبعها خادماها الأمينان لا ينفكان يلاحظانها بيعيونهما، كما ينظر الكلب الأليف إلى صاحبه، ولكنهما على ما كان يبدو عليهما من الضعف بإزائها، كان من شجعان الرجال، قد أخذا الأهبة للذود عن سيدتهما وقتل كل شرير تسول له نفسه الخبيثة أن يحاول الاقتراب منها؛ فلم يجد النبيل سبيلاً إلى التقرب منها أو سماع صوتها واكتفى بالنظر إليها والتملي بمحاسنها على بعد؛ وأحست المرأة بغريزتها أن هناك من ينظر إليها، فالتفتت، وحين التقت نظراتها بنظراته، ورأت ما في عينيه من حديث نفسه الدنيئة. . . ظهر الغضب في وجهها، وأدارت رأسها، كأن النظر إلى وجهه يدنسها. . . لكن ذلك النبيل لم يبال ما رأى، بل ابتسم ابتسامة فيها وعيد وتهديد. وحين رجع إلى بلاط الملك قص عليه قصة هذه الحسناء ووصف له تعلقه بها وحبه لها بلا حياء. . . وأخذ يستعطفه، ويطلب منه العون. . . فأثر ذلك في نفس الملك، وهون عليه الأمر وطلب منه الصبر، حتى يحين الوقت المناسب. . .

والتقت الزوجة بزوجها، فقصت عليه ما رأت، بصوت يرتجف من الغضب، ويدل على ما كانت تشعر به من الذل والمهانة لما أصابها. . . فهدأ الزوج الكريم ثائرتها، وذهب يستطلع الأمر وحين علم أن الملك راضٍ عن عمل صديقه، ثارت نفسه الأبية للدفاع عن عرضه، وزاد في غضبه، ما رأى من سوء معاملة الملك لأصدقائه، واحتقاره لهم، وتنكيله بهم، وما فرض من الضرائب المرهقة على المنطقة التي ينتسب إليها، والتي يشعر أن عليه حقاً لها، وما سلب أهلها من الحرية. . .

هذه العوامل مجتمعة، فعلت فعلها في نفس هذا النبيل؛ فمحقت ما كان يشعر به من الحب للملك، وحملته على التفكير في قتله، ليربح منه، ولينتقم! غير مبال بعاقبة ذلك، مادام فيه صيانة لشرفه، وتخليص لشعبه من آصار العبودية التي يرسف فيها تحت ظل هذا الملك الطاغية!

رجع النبيل إلى زوجته، والغضب يطويه وينشره، وعوامل مختلفة تصطرع في نفسه،

<<  <  ج:
ص:  >  >>