وأخبرها أنه ذاهب لقتل الملك، فإن نجح في ذلك فقد بلغ ما أراد؛ وإن لم يتمكن من قتله أو لم يستطع الإفلات بعد تنفيذ عزيمته، فعليها أن تدافع عن شرفها حتى آخر لحظة من عمرها. ثم تمنطق بغدارتين، وودع زوجته وداعاً حارا ومضى لشأنه. وأبت الزوجة الشجاعة أن تلجأ إلى البكاء والنحيب بلا جدوى؛ بل اكتنف بالسكوت وبالنظر إلى زوجها كأنها تحاول أن ترسم صورته في مخيلتها جيدا
وصل الرجل إلى البلاط، وتمكن من الدخول بسهولة؛ لأنه كان معروفاً هناك، ووصل بهدوء إلى غرفة الملك الخاصة، وكان الملك في ذلك الوقت جالساً يطالع غافلاً عما يدبر له. وحين رأى صديقه بالأمس داخلاً والشرر يتطاير من عينيه، استولى عليه حب الحياة، فحاول الهرب، ولكن الرجل لم يمهله، بل أطلق عليه خمس رصاصات من الغدارة الأولى، ولكنه لم يصبه لشدة انفعاله، فأراد أن يرد الغدارة إلى منطقته كي يستعين بالغدارة الثانية، ونسى أنه لا يزال هناك رصاصة أخرى فيها، فما كاد يضعها في منطقته، حتى انطلقت هذه الرصاصة وأصابت منه مقتلاً. فسقط متضرجاً بدمائه الزكية تحت أقدام الملك
أما الزوجة فإنها بعد ذهاب زوجها صعدت إلى أعلى غرفة في منزلها، وتزودت بما قدرت عليه من الطلقات، وحصنت الغرفة بما وضعت من الأثاث خلف الباب كالمتاريس، وجلست في حصنها متأهبة لما يكون، وهي في شك من قدرة زوجها على الإفلات بعد تنفيذ عزيمته، ولكنها لبثت تنتظر! ولم يطل انتظارها طويلاً حتى قدم جنود الملك وأحاطوا بالمنزل، فحينذاك عرفت كل ما كان، وأيقنت أن زوجها قد مات! فتلاشت رغبتها في الحياة، ولم يبق في نفسها إلا سعير يضطرم يدفعها إلى الثأر. وطلب إليها الجنود أن تنزل، فأجابتهم بإطلاق الرصاص فأجابوها ناراً بنار، ودارت المعركة، فما استطاع الجنود أن يصيبوها وهي في ذلك الحصن الحصين؛ على حين استطاعت هي أن تقتل أثني عشر رجلاً منهم. وعلم الجنود أنهم لن يبلغوا منها مبلغاً، وصغرت نفوسهم حيال هذه المرأة الجريئة فلم يجدوا إلا أن يشعلوا النار بالمنزل ليحترق بها وتموت بين الأنقاض، وأيقنت المرأة أنها على شفا الموت حرقاً، فصاحت بالجنود تخبرهم أنها تستسلم على شرط أن يتقدم الرجل الذي سبب هذه الكارثة فيعطيها الأمان ويضمن لها السلامة، ففرح الرجل الفاجر وأيقن أنه قد بلغ أمنيته، وتقدم متبختراً يريد المنزل، فلم يكد يقترب من الباب حتى