عدد الجزور التي ينحرونها كل يوم، فعرف قوة الجيش بمعرفته مقدار الطعام الذي يحتاج إليه. وكان صلوات الله عليه إنما يعول في استطلاع أخبار كل مكان على أهله، وأقرب الناس إلى العلم بفجاجه ودروبه، ويعقد ما يسمى اليوم مجلس الحرب قبل أن يبدأ بالقتال، فيسمع من كل فيما هو خبير به، ولا يأنف من الأخذ بنصيحة صغير أو كبير. . .
٥ - واشتهر عن نابليون أنه كان شديد الحذر من الألسنة والأقلام، وكان يقول إنه يخشى من أربعة أقلام، ما ليس يخشاه من عشرة آلاف حسام
والنبي عليه السلام كان أعرف الناس بفعل الدعوة في كسب المعارك وتغليب المقاصد، فكان يبلغه عن بعض أفراد أنهم يشهرون بالإسلام أو يثيرون العشائر لقتاله أو يقذعون في هجوه وهجو دينه، فينفذ إليهم من يحاربهم في حصونهم أو يكفل له الخلاص منهم
وعاب هذا بعض المغرضين من الكتاب الأوربيين وشبهوه بما عيب على نابليون من اختطاف الدوق دانجان وما قيل عن محاولته أن يختطف الشاعر الإنجليزي كولردج الذي كان يخوض في ذمه ويستهوي الأسماع بسحر حديثه
ولكن الفارق عظيم بين الحالتين، لأن حروب الإسلام إنما هي حروب دعوة لدعوة أو حروب عقيدة لعقيدة، وإنما هي في مصدرها وغايتها كفاح بين التوحيد والشرك أو بين الإلهية والوثنية، وليس وقوف الجيش أمام الجيش إلا سبيلاً من سبل الصراع بين الدعوتين والغلاب بين العقيدتين
فليس في حالة سلم مع النبي إذن من يحاربه في صميم الدعوة الدينية، ويقصده بالطعن في لباب رسالته الإسلامية، وإنما هو مقاتل في الميدان الأصيل ينتظر من أعدائه ما ينتظره المقاتل من المقاتلين، ولاسيما إذا كانت الحرب قائمة دائمة لا تنقطع فترة إلا ريثما تعود
أما نابليون فالحرب بينه وبين أعدائه حرب جيوش وسلاح، فلا يجوز له أن يقتل أحداً لا يحمل السلاح في وجهه أو لا يدينه القانون بما يستوجب إزهاق حياته. وما نهض نابليون لنشر دين أو تفنيد دين، ولا كان للرسول الإسلامي من غرض لو جاز له أن يقبل المسالمة ممن يحاربونه في دينه وإن لم يشهروا السيف في وجهه، فإن الضرب بالسيف لأهون من المقتل الذي يضربون فيه
تلك مقابلة مجملة بين الخطط التي سبق إليها محمد، وجرى عليها نابليون بعد مئات