قلوبهم ويدينوا جميعاً لمن فطر السموات والأرض وما بينهما
قام عليه الصلاة والسلام بهذه الدعوة فقرن بينها وبين دعوته إلى الأخلاق وعنايته ببيان آثارها وتفصيل حقائقها والموازنة بينها وبين ما شاع في الناس يومئذ من الطبائع الخبيثة والعادات السيئة لتتعاون الدعوتان على إصلاح النفوس لتتهيأ لما سيشرع من نظام يكون به علو كلمة الإسلام في الوجود، ونشر سلامه على العالم. أقام على ذلك جاهداً لا يلويه عن غرضه قوة، ولا يرده عن غايته أذى. إلى أن أمر بالهجرة إلى المدينة؛ فلما اطمأن إلى مقامه فيها، شرع للمؤمنين من الشرائع الاجتماعية ما تقوم عليه دولتهم وتتأسس به حكومتهم، وما يدفع عنهم العدوان، ويقيهم أسباب الانحلال
تلك هي غاية الشرائع الإسلامية الاجتماعية والحكمة التي روعيت في فرضها؛ لم تفرض لتكون وسيلة من وسائل العبادة فحسب، ولكنها وضعت لتكون العلاج الذي يشفي النفوس من عللها، ويقي الجماعات من أمراضها
لذلك امتدت وتشعبت حتى انتظمت جميع نواحي الحياة. فانقسمت إلى شرائع مالية تنمي المال وتقرر الحقوق وتقوم على تحقيق الاقتصاد، والى شرائع اجتماعية تبين للأسر حقوقها وتوثق الصلات بين أعضائها حتى تكون لبنة قوية في بناء الأمة، ثم تتجاوز الأسرة إلى شؤون العمل فتحض عليه وتنظمه، وإلى شؤون التربية والصحة وغيرها من الشؤون الاجتماعية فتضع لها الأسس وتبين لها الطرق إلى غاياتها؛ ثم إلى شرائع الزجر منعاً للعدوان؛ والى شرائع الحرب إعداداً للقوة وتحديداً للعلاقات بين المتقاتلين في الأموال، ومعاملة الأسارى، والتصرف في الغنائم؛ ثم إلى شرائع سياسية تنظم العلاقات الخارجية وتعين الإدارة الداخلية من حيث اتصال الحاكم بالمحكوم، وغير ذلك مما يؤسس عليه بناء الدولة، ويقوم عليه عمرانها
هذه هي مناحي الإسلام في تشريعه وهي كما نرى جامعة لكل نواحي الحياة الاجتماعية الحاضرة؛ غير أن تشريعه فيها كان تشريعاً كليا يقرر المبادئ العامة ويضع الأسس الثابتة ويدع المجال للتفصيل والتطبيق ليتم له الخلود، ولم يكن له من مصدر إلا القرآن الحكيم وبيان الرسول الكريم. أنزل القرآن بالأصول العامة وجاء بيان النبي صلى الله عليه وسلم وسنته بالفروع التي تخرج منها أتى القرآن بالإجمال والعموم وتكفلت السنة بالبيان