إلى الله ولم يكن في يوم من أيامها أخف عبئاً ولا أقل اقتحاماً من هذه الليالي الثلاث
وفي ظل ذلك الموت الجاثم على الجبل وما حوله في ليالي الغار كانت الصبية أسماء بنت أبي بكر تحمل الزاد والماء كل ليلة من دار أبيها فما تزال تخوض بحراً من رمال الصحراء، ترفعها رافعة، وتخفضها خافضة، حتى ترتقي الجبل، وتصل إلى الغار، فتقدم الزاد وتلقي ما تعلمه من خبر مكة ثم تعود في جنح الليل، فلا ينبثق الصبح إلا وهي في فراشها كأنه لم يكن ثم شيء
وما كان أقوى تلك الطفلة الناشئة أسماء بنت أبي بكر حين اقتحم رجال قريش عليها البيت وامتحنوها بألوان من العذاب لتدلهم على مكان أبيها فما كان لهم منها من جواب، ولطمها الشريف النذل أبو جهل بن هشام لطمة أطارت قرطها من أذنها لتتكلم فما نطقت إلا بعبرة واحدة سقطت من عينها على الأرض
هي إذاً روح قوي شديد كان ينتظم كل مسلم ومسلمة ولا يقف أمام هذا الروح شيء مما عساه يعترض الناس
فهل في الإمكان أن يستيقظ الروح في صدور مسلمي هذه الأيام؟
إن هذه الأرواح كالأجساد، تختلف عليها الصحة والمرض، والقوة والوهن، والنشاط والخمول؛ وهي كالنحل تجتمع على اليعسوب القوي، وكالجند تقوى بالقائد الفادي المجيد. فهل يقوم في المسلمين داعية من دعاة الله يهب نفسه لله، ويفني ذاته في ذات الله؟
داعية واحد لا يقوم بينه وبين الله شيء، لا يجمع المال ولا ينشد الجاه، ولا يؤثر نعمة الحياة على رضا الله. . . وهو خليق إن وجد أن يجتمع حوله رجال على غراره. . . داعية واحد من هذا الطراز إذا وجد أثمر الأمل وصحت الأحلام