كانت الصداقة عنده كما كانت عند إسماعيل صبري ظلا يأوي إ ليه كلما كثر النهار. . .
جاء في باب الحمامة:(قال دبشليم الملك لبيدبا الفيلسوف: قد سمعت مثل المتحابين. . فحدثني إن رأيت عن إخوان الصفاء، كيف يبتدأ تواصلهم ويستمتع بعضهم ببعض. . .). . وجاء فيه أن المطوقة نادت الجرذ باسمه:(فأجابها الجرذ من جحره: من أنت؟ قالت: أنا خليلتك المطوقة. فأقبل إليها الجرذ يسعى)
(أنا خليلتك المطوقة). . . أظن كثيرين من القراء يعرفون قصص (لافونتين). . . ويذكرون باب (المطوقتين الراحلتين) وسؤال إحداهما للأخرى: (هل عند خليلتي الكفاف من الرزق والمأوى؟)
وجاء أيضاً في باب الحمامة المطوقة:(إنه لا شيء من سرور الدنيا يعدل صحبة الإخوان، ولا غم فيها يعدل البعد عنهم). وقالت السلحفاة ترّغب الظبي في الإقامة معها وصحبتها:(نحن نبذل لك ودنا ومكاننا، والماء والمرعى كثيران عندنا). ثم قالت:(لا عيش مع فراق الأحبة، وإذا فارق الأليف أليفه فقد سلب فؤاده وخرم سروره وغشى بصره)
والأمثلة كثيرة في مقدور كل قارئ أن يهتدي إليها، والآن أنتقل إلى الوطن والوطنية، وأرجو أن نقف قليلا على باب (البوم والغربان) فإن فيه بلاغة وفيه دروسا نافعة
تتلخص هذه القصة في أن ملك البوم أغار في أصحابه على الغربان فقتل وسبى منها خلفا كثيرا، وكانت الغارة ليلا، فلما أصبحت الغربان اجتمعت إلى ملكها وأخذت تتشاور معه في الأمر، فنصح اثنان منهما بالهرب فقال الملك:(لا أرى لكما ذلك راياً، أن نرحل عن أوطاننا ونخليها لعدونا من أول نكبة أصابتنا فيه ولا ينبغي لنا ذلك، ولكن نجمع أمرنا ونستعد لعدونا ونذكي نار الحرب فيما بيننا وبين عدونا ونحترس من الغرة إذا أقبل إلينا فنلقاه مستعدين ونقاتله قتالا غير مراجعين فيه ولا مقصرين عنه، وتلقى أطرافنا أطراف العدو ونتحرز بحصوننا وندافع عدونا بالأناة مرة وبالجلاد أخرى حيث نصيب فرصتنا وبغيتنا، وقد ثنينا عدونا عنا)
أبى ملك الغربان أن يستسلم للعدو المغير وأن يخلي له وطنه ودياره وأبى إلا أن يقاتل وأن (تلقى أطرافنا أطراف العدو. . .)