وأفتى الثالث بالصلح مع العدو (على خراج نؤديه إليه في كل سنة ندفع به عن أنفسنا ونطمئن في أوطاننا. . .) أو بعبارة أخرى كان يرى في البقاء في الوطن في ظل الاستعباد بعض الطمأنينة، وقد رد الرابع أنه لا يرى هذا الصلح رأيا (بل أن نفارق أوطاننا ونصبر على الغربة وشدة المعيشة خير من أن نضيّع أحسابنا ونخضع للعدو الذي نحن أشرف منه مع أن البوم لو عرضنا ذلك عليهن لما رضين منا إلا بالشطط. ويقال في الأمثال: قارب عدوك بعض المقاربة لتنال حاجتك، ولا تقاربه كل المقاربة فيجترئ عليك ويضعف جندك وتذل نفسك. ومثل ذلك مثل الخشبة المنصوبة في الشمس. . . إذا أملتها قليلا زاد ظلها وإذا جاوزت بها الحد في إمالتها نقص الظل. . . وليس عدونا راضيا منا بالدون في المقاربة، فالرأي لنا ولك المحاربة. . .)
قال الملك للخامس: ما تقول أنت؟ وماذا ترى؟ القتال أم الصلح؟ أم الجلاء عن الوطن؟. . .
قال: أما القتال فلا سبيل للمرء إلى قتال من لا يقوى عليه
وقد كان هذا الأخير أرجحهم عقلا لأنه خشي مغبة قتال القوى ومقاربته كل المقاربة والجلاء عن الوطن. . . ورأى أن يصيب أبناء جنسه حاجتهم من البوم بالرفق والحيلة قال:(وإني أريد من الملك أن ينقرني على رؤوس الأشهاد وينتف ريشي وذنبي، ثم يطرحني في أصل هذه الشجرة ويرتحل الملك وجنوده إلى مكان كذا فأرجو أني أصبر وأطلع على أحوالهم ومواضيع تحصينهم وأبوابهم فأخادعهم وآتي إليكم لنهجم عليهم وننال منهم غرضنا إن شاء الله تعالى)
انطلت على البوم حيلة الغراب وأنست له حتى إذا طاب عيشه ونبت ريشه واطلع على ما أراد أن يطلع عليه راغ روغة فأتى أصحابه وقال لهم:(إن البوم بمكان كذا في جبل كثير الحطب. وفي ذلك الموضع قطيع من الغنم مع رجل راع. ونحن مصيبون هناك نارا ونلقيها في أثقاب البوم ونقذف عليها من يابس الحطب ونتراوح عليها ضربا بأجنحتنا حتى تضطرم النار في الحطب فمن خرج منهن احترق ومن لم يخرج مات بالدخان موضعه. ففعل الغربان ذلك فأهلكن البوم قاطبة ورجعن إلى منازلهن سالمات آمنات. . .)
لقد أرسل الله إلى البوم من يهلكها ويبيدها، لأنها ظلمت القرى والعباد، وإني لأتمثل