ويربطون على قلوبهم، والرسول عليه السلام ثابت في مكانه لا يريم
تلك الحوادث أبانت عن أنه لا يزال بين المجتمع الإسلامي - بل وسط جماعة المسلمين - قلوب مطوية على الإحن تتربص بالإسلام وبالرسول الدوائر
وإنها لحال تنغص على المسلمين أمورهم، وتهدد كيانهم وتقلقل مجتمعهم
وقد كاد صبرهم ينفد يوم وقف واحد من هؤلاء يعيب على رسول الله صلى الله علية وسلم قسمه للصدقات ويغمز العدالة المحمدية. هذا الرجل هو (ذو الخويصرة التميمي) دفع به النفاق، فخاطب رسول الله صلى الله علية وسلم، وقال: اعدل يا محمد. . . ولا، والله، ما قصد ذو الخويصرة عدلا ولا طلب حقا. ولكنه قصد إلى أن يشكك الناس في العدالة المحمدية، وينبه الأطماع، ويثير الإحن. فقال له الرسول صلى الله علية وسلم:(ويلك، من يعدل إذا لم أعدل؟)
واستمع لهذا الحوار الرجل المؤمن حقا عمر بن الخطاب، فعرف أنها دسيسة. فقال: يا رسول الله، ائذن لي فأضرب عنقه، فأخذ صلى الله علية وسلم يهدّي من نفس عمر، ويذهب عنه الغضب، ويقول: لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه
ونزل في تلك الحادثة من السورة (الفاضحة) قول الله تعالى:
(ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أُعطوا منها رضوا، وإن لم يُعطَوْا منها إذا هم يسخطون)
بقي النفاق - هذا الوباء الأخلاقي - يأكل في أجزاء من جسم المجتمع، ولولا صدق اليقين، ومناعة الجسم، لأودى النفاق بالدعوة الإسلامية
إن لله مواقيت تنتهي لديها أمور وتبدأ من عندها أمور. فلما أذن الله بافتضاح هذا النفاق، وشاء للمنافقين أن يشَهروا ويعلّموا ويؤخذوا بسيماهم، ثم يعزلوا - مرضى موبوئين - عن بقية المجتمع السليم، اختار - عز وجل - لذلك وقتا علا فيه شأن الإسلام، وتمت له الكلمة، وأثخن المسلمون في أعدائهم أسراً وقتلا واستيلاءً وغلبة. فليس يخيفهم أن يبتروا الأعضاء السقيمة العليلة
وكانت الحياة المحمدية المباركة قد آذنت بالانقضاء، ولابد من صيانة مجتمعه وشريعته ودينه من هذا المرض، مرض النفاق المدّمر الفتاك