عند ذلك أنزل الله سبحانه وتعالى السورة (الفاضحة) كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه: نزلت تفضح النفاق، وتكشف عن المنافقين، وتصور ألوانهم وأقوالهم، وتطلع المؤمنين على دخائل نفوسهم، وتنشر للملأ مطويات سرائرهم. . . وقد كانوا من قبلها يخافون ذلك ويحذرونه
(يحذر المنافقون أن تنّزَّل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم) ولكن الله أوقع بهم، فكان ما يحذرون ووقع ما يرهبون
اختار المشرع الإسلامي غزوة من غزوات المسلمين، جعلها اختباراً أخيراً للمنافقين. وهي: غزوة تبوك، آخر الغزوات في حياة الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وكان الوقت عسيراً والبلاد جدباء، والحر لافحاً والشقة بعيدة، والأعداء هم الروم الأقوياء الأغنياء
هنا أخذ النفاق يطل برأسه، وينفث في العقد، ويبعث التخاذل، ويحبب التقاعد بين الجيوش الإسلامية. فقال جماعة المنافقين وعلى رأسهم كبيرهم (عبد الله بن أبي): (أيغزو محمد بني الأصفر (الروم) مع جهد الحال، وشدة الهجير، والبلد النائي؟ أيحسب محمد أن قتال بني الأصفر لعب ولهو؟ والله. . . لكأني أنظر إلى أصحابه مقرنين في الأصفاد)
ثم أخذ المنفقون يقولون: لا تنفروا في الحر، قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون
وهكذا جعلوا يعتذرون عن الخروج بأعذار تافهة ورسول الله صلى الله علية وسلم يقبلها، حتى عاتبه القرآن في ذلك وعفا عنه:(عفا الله عنك لِمَ أذنتَ لهم حتى يتبيَّن لكَ الذينَ صدقوا وتعلمَ الكاذبين)
عرَّفت السورة (الفاضحة) أو سورة (براءة) المنافقين، وحددت أوصافهم: فمنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن ومنهم من يلمزك في الصدقات. ومنهم من عاهد الله ثم أخلف عهده. ومنهم، ومنهم. . .
ثم خاطب الله رسوله عليه السلام الخطاب الحاسم في شأنهم فقال:(سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتُم إليهم لتُعرِضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون)
ولقد نكل الله بالشرك في تلك السورة فسميت (المنكلة) وأزرى واحتقر النفاق ورسمه بأنه رجس، فافتضح النفاق