وجاء صدر تلك السورة قضاء حاسماً على بقية الشرك، وإبادة لمرضه الخبيث في أنحاء الجزيرة العربية
فقد اجتمع إلى الشرك مآثم وأوزار وشناعات، لا مناص من القضاء عليها تطهيراً للمجتمع وإصلاحًا
وفي السنة التاسعة للهجرة أمَّر للنبي عليه السلام على الحج (أبا بكر) الصديق. فلما نزلت السورة - المنكلة الفاضحة - بعث صلى الله علية وسلم إبن عمه علي بن أبي طالب على ناقته العضباء ليقرأ في موسم الحج على الناس كافة صدر السورة المنزلة، قضاء على الشرك والمشركين، فلما دنا علي من أبي بكر سمع أبو بكر رغاء الناقة، فوقف وقال: هذا رغاء ناقة رسول الله صلى الله علية وسلم. فلما لحقه علي قال له أبو بكر: أمير أم مأمور؟ قال: مأمور
فلما كان يوم الحج الأكبر - يوم النحر - عند جمرة العقبة قام علي فقال:(أيها الناس، إني رسول رسول الله تعالى إليكم) فقالوا: بماذا؟ فقرأ (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله، وأن الله مخزي الكافرين، وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله) إلى آخر الآيات الثلاثين أو الأربعين من السورة
ثم قال:(أمرت بأربع: ألا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا كل نفس مؤمنة، وأن يتم كل ذي عهد عهده)
وفي هذا الموطن الحاشد، وبهذا البيان القاطع تقررت حياطة المجتمع، وصيانة التوحيد، كما تقرر - في أثناء السورة - إبراء المجتمع من داء النفاق بإقصاء المنافقين وتعرفهم بسيماهم؛ ثم نبذهم أحياء أو ميتين
(ولا تُصَلِّ على أحد منهم مات أبداً، ولا تَقُم على قبره)(يحلفون لكم لترضوا عنهم، فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين)
انتهى أمر النفاق، وانتظم شأن المجتمع الإسلامي. فلما كان العام التالي، أراد صاحب الشريعة عليه السلام أن يحج، وترامى ذلك إلى أقطار الجزيرة، فانثال الناس من كل حدب، حتى بلغ الحجيج مائة ألف أو يزيدون. وفي يوم الحج الأكبر، خطب صاحب