للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ثم يقلبها في يده ثم يقول لها: أما والذي حملني عليك، لقد علمت أني ما مشيت بك إلى حرام ولا معصية، اللهم هذه نعمة أنعمت بها عليّ ثم سلبتنيها أحتسبها عندك راضيا مطمئنا إنك أنت الغفور الرحيم، خذها أيها الرجل؛ ثم أضاء وجهه بالإيمان والصبر عن مثل الدرة في شعاع الشمس. . . . . .

قال أمير المؤمنين: غفر الله لك يا أبا عبد الله، وإن في الناس لمن هو أعظم بلاء منك، يا عمر (يريد عمر بن عبد العزيز)، ناد الرجل من أخوالي (يعني من بني عبس) فيقبل عمر ومعه رجل ضرير محطومُ الوجه لا ترى إلا دمامته، فيقول له أمير المؤمنين: حدث أبا عبد الله بخبرك يا أبا صعصعة، فيلتفت الرجل إلى عروة ويقبل عليه فيقول: ابن الزبير، قد والله لقيتَ البلاء، يا فقيه المدينة وابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإني والله محدثك عني بخبري عسى أن يرفع عنك: فقد بت ليلة في بطن واد، ولا أعلم عَبسيّاً في الأرض يزيد ماله على مالي، فطرقنا سيل جارف كأنه الطوفان، يتقاذف بين يديه موجا كالجبال، فذهب بما كان لي من أهل ومال وولد إلا صبياً مولوداً وبعيراً نضواً ضعيفاً. فند البعير يوما والصبي معي، فوضعته واتبعت البعير أطلبه، فما جاوزت ابني قليلا إلا ورأس الذئب في بطنه قد بعجها بأنيابه العُصل فاستل أحشاؤه، وإن الصغير ليصرخ، ويركض برجليه الأرض، فكدت والله أسوخ في الأرض مما رأيت، ولكني ذكرت الله واستعنت واحتسبت الصغير فتركته لقدر الله واتبعت البعير، فهممت آخذ بذنبه وقد أدركته، فرمحني رمحة حطم بها وجهي وأذهب عيني، فأصبحت لا ذا مال ولا ذا ولد ولا ذا بصر، وإني أحمد الله إليك، يا أبا عبد الله؛ فاصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور. قال عروة: لقد أفضل الله عليك يا أبا صعصعة وإني لأرجو لك الجنة

قال عمر بن أبي ربيعة: وألاح إلي أمير المؤمنين أن أقبل، فدنوت إليه فأسر اليّ: إن أردت الحيلة فقد أمكنتك، فاذهب إلى أبي عبد الله فانع إليه ولده (زين المواكب)، قلت: هو والله الرأي يا أمير المؤمنين، ثم مضيت إلى عروة وقد غلبتني عيناي بالبكاء

فلما قاربته قلت: عزاءك يا أبا عبد الله؛ قال عروة: فيم تعزيني يا أبا الخطاب؟ إن كنت تعزيني برجلي فقد احتسبتها لله، قلت: رضي الله عنك، بأبي أنت وأمي، بل أعزيك (يزيْن المواكب)، فدهش وتلفَّت ولم ير إلا هشاما ولده، فرأيت في وجهه المعرفة ثم هدأ فقال: ما

<<  <  ج:
ص:  >  >>