لقد اقترنت عناية السابقين في الإسلام بعلوم الدين، بعناية غيرهم بعلوم اللسان، من نحو وصرف وأدب وبيان. وذلك لأنها الوسيلة إلى فهم لباب الدين.
وفي أعقاب هذا أو على الأدق، في أثنائه، التفت مفكرو العرب إلى المنطق، على أنه مما ينظم الفكر وييسر الطرق لاستنباط الأحكام الشرعية على الوجه الصحيح. ثم اتجهوا كذلك إلى نقل قوانين البحث والمناظرة على ما تقدم به الكلام
لم يمنع اشتغال مفكري العرب بهذا وهذا وذلك من أن يلتفتوا إلى علوم الدنيا من رياضة وهندسة وطب وفلك وغيرها. فسرعان ما جادوا وما برعوا، وسرعان ما أجلوا ووسعوا، وما ابتكروا وما اخترعوا. . . ولم ينسلخ من الزمن غير يسير بالإضافة إلى أعمار الأمم، حتى صارت هذه العلوم إليهم وكادت تقطع صلتها بغيرهم، فأصبحوا هم المتحدثين فيها والمتحدثين عليها بين أمم الأرض جمعاء. وكذلك أنشئوا أجمل حضارة وأزكاها في هذا العالم!
فإذا تعاظمتك تلك النهضة في مثل ذلك الزمن، فإن مما يدفع عنك العجب أنه قد لاقت تلك الفطرة العربية دين الفطرة. . . دين صاحب الهجرة.