في غير ورع ظاناً أنه يقيم الحجة عليك: كيف وأنا أقارف معه تلك المؤثمات؟! وقد فاته أن الاعتراف حجة قاصرة على النفس، فإذا أشرك الغير كان دعوى تحتاج إلى الدليل!
ولقد تروي، في بساطة، ما انتهى إليك من خبر نشرته إحدى الصحف، أو جعلت تردده المجالس من أن فلانا اتهم في كذا؛ فيبادرك رجل من شيعته طبعا! حضرتك مبسوط من كده!. . . وتروي أن الخبر قد التبس على الغبي بالأمنية، اللهم إلا أن يكون فاسد الضمير فاجر النية!. . .
ومما يضحك ويبكي نقل موضوعات النزاع، إما فراراً من لزوم الحجة، أو طلباً للكيد والأذى، أو جهلاً وشدة غباء.
وأذكر نموذجاً واحداً مما وقع لي في هذا الباب على جهة التمثيل أيضاً. ولم يكن ثمة موضع نزاع، بل كان هناك سؤال استحال في غير موجب إلى نزاع:
من بضعة أيام طلبت عيادة طبيب الأسنان ليخلع ضرسا ألح عليّ ألمه، وورم له صدغي. . . وبينما أنا في غرفة الانتظار ريثما ينتهي الطبيب من علاج من تقدمني، إذا رجل حسن السمت، أنيق البزة، ويبدأ بالتحية، فأردها بأحسن منها. . . وما يكاد يأخذ مجلسه حتى يطارح الحديث كعادتنا نحن المصريين إلى من نعرف ومن لا نعرف. فمادته الحديث على ما بي. في الأسباب العامة طبعا، ومن حديثه أدركت أنه رجل مزخرف الثقافة مزوَّق اللسان؛ ثم إذا يفاجئني بهذا السؤال: حضرتك من أهل الريف؟ فأجبته من فوري، لا يا سيدي، فأنا مولود في القاهرة، وما زالت موطني إلى الآن. فردّ عليّ في ثورة عنيفة:(ليه! هيه العيشة في الريف وحشة؟!)
لقد ثار ثائري، ونهضت لتوي، وخرجت مسرعا إلى داري مؤثرا وجع الضرس وضرباته على هذا اللون من الحوار!
إذن، لقد كان عليّ قبل أن أخلق، وأن أولد قبل أن أولد؛ حتى إذا بلغت سن التمييز في النشأة الأولى، كان على القدر، أن يخيرني الولادة في الريف والحضر، فأختار أول الامرين، ثم أتبخر في الأثير، ثم أبعث في الريف من جديد! وإلا كنت امرءاً آثماً يستحق اللوم والتأنيب!
وبعد هذه الوقفة المريحة أو المتعبة المعنية نرجع سياقة الحديث على اسم الله: