لم نعجب من حبس الله عنا عونه، وفينا من الرجال المحسوبين على الدين من لا يبالي أن يسخط الله، كما يبالي أن يغضب عبداً من عبيده؟ وما بالنا نجزع من ازدياد الإجراء وسببه الفقر وتأصل الحقد في القلوب ومأتاه عدم القسم في الحقوق والواجبات؟ ولماذا نجأر بالشكوى من استئصال حشرات الأرض لكثير من الزروع والأثمار، وقد منعنا الزكاة أربابها؟ إن الله غني عن صيام النهار وقيام الليل إذا كان لا يصحبهما إعطاء الحقوق لأصحابها. إن تربة مصر لتدر الذهب، فليت شعري كيف تتحجر منا قلوب، فلا تحس الآلام التي تنضح بها نفس الفقير، ولا يجد مواسياً؟! ولماذا نعمى، فلا نبصر الشقاء مجسماً في أناس لم يبق لهم من الآدمية إلا الاسم بفضل جحودنا وأثرتنا؟! إن لهؤلاء المحرومين، وهم شركاؤنا في الإنسانية، وإخواننا في الوطن، حقاً معلوماً فيما رزقنا الله من ثراء يتسع لقضاء الصيف في أوربا وغير أوربا، وتضييع مئات الآلاف من الجنيهات على اللهو الفارغ والمتاع الدون. . .
هل تريدون دليلا على ما يسود أخلاقنا من أنانية ممقوتة وعدم رعاية للصالح العام؟ دونكم أدلة لا دليلا واحدا: ماذا ترون في انعدام التناسب بين صغار المرتبات وكبارها إلى درجة شنيعة، لا توجد إلا في بلاد الشرق المسكينة؟ وفي التفرقة بين الطبقات في كثير من مرافق الحياة؟ بل ماذا تقولون في المريض المعدم لا يجد له راثياً، ولا لآلامه مواسياً، ويطرد من مستشفى لاخر، حتى يموت وعياله وأهله تنفطر نفوسهم حسرات، بينما يحدثنا القفطي في كتابه (أخبار الحكماء) أن وزير المقتدر بالله العباسي علي بن عيسى وقّع إلى سنان بن ثابت كبير الأطباء (بإنفاذ متطببين، وخزانة من الأدوية والأشربة يطوفون في السواد، ويقيمون في كل صقع منه مدة ما تدعو الحاجة إلى مقامهم، ويعالجون من فيه، ثم ينتقلون إلى غيره). أليس في بعض هذه المثل ما يدل على ما يتملك أمرنا من أثرة هي بعض السبب فيما نحن فيه من بلاء مبين؟
وأخيرا ما هو العلاج؟ هو في رأيي أن ننعم بحاضرنا دون أسى على الماضي، وأن نحارب الأنانية في أنفسنا وفي غيرنا، وأن يعمل كل منا واجبه وإن كان في ذلك أذى له، وأن يطلب حقه من سالبيه ويلح في اقتضائه؛ فإن السكوت عن طلب الحق جريمة تعدل