فكان في أول الأمر من الكتان، ولكن التجربة دلت على قلة غَنائه لان ميمي كانت تطلق نفسها منه بالشد والعض، فابدل بسلسلة من الحديد من سلاسل الكلاب المعروفة وهذه لم تكن بأكثر كافية، فما لبثت ميمي أن فطنت إلى أن الشد الأقوى يفتح حلقاتها. فزاد سيدها الجديد سمكاً. فاتجه نظر صاحبتنا إلى الطوق، وكان تارة من حبل معقود وتارة من جلد مشدود، أما الحبل فقد عرفت بالمران كيف ترخي عُقدة ثمتتَبع ذلك بعضه حتى ينقطع، وأما الجلد فعرفت بالتجربة المتَدَهَة أن الريق يليّنه فكانت تبله وتشده وتمططه حتى يتسع فتخرج رأسها منه
وأفادها ذلك التفننَ في حل العُقَد حتى برعت في أساليبه. ربطوها إلى حبل طويل، وربطوا الحبل إلى سارية وعدقوه عندها عقَداً كثيرة، ثم أطاالوه بعد السارية إلى حيث لا يهتدي إلى طرفه الآخر. نظرتُ إلى العقدة الأولى في تأمل ولن تبلث أن هجمت عليها بأسنانها ويديها فأوسعتها سعة كبيرة ثم نفذت بجسمها منها رويداً رويداً. وأخذت تنظر إلى العقدة الثانية في تأمل جديد لم يطل كثيراً وفعلت بها كفعلتها الأولى، وهكذا حتى انحلت العقد جميعها عن السارية. ولما أعادوا عَقد الحبل حول السارية أعادت ميمي حله في نصف دقيقة وهي في غبطة من ذلك كبيرة وسرور بيِّن، والنظارة في مثل سرورها وغبطتها وحاولت مراراً ان تعقد عقدة في حبل بنفسها، ونجحت في ذلك مرات، الا أن طريقتها إلى ذلك كان يعوزها التهذيب فقد كان فيها التواء وتنكّب عن المقصد الأمَم والغرض القريب. فكانت في ذلك كالطفل الانساني يبلغ ما يريد ولكن في قليل من الرشاقة اللباقة
وميمي على صغرها قوية شديدة، فانثى الشمبانزي عند استكمال نمائها تَعدِل في القوة من الرجال الأشداء الثلاثة والاربعة. وصاحبتنا بلغت الثلث من نمائها الكامل، وفي اذرعها دقة، وفي طباعها رفق، قد يخاعانك في تقدير وقتها. جاء الشتاء فاحتبسوها في صندوق من الخشب المتين فأخذت تهز حيطانه في طلب الرياضة لبدنها، وأعجبها صوته على أرض البدروم فزادت في هزه بكل حولها، فكان لابد من تعزيز جوانبه، فلما لم ينفع ذلك علّقوا الصندوق من السقف بسلسلة فأخذت تؤرجحه حتى دنا من مصباح الكهرباء المعلق فأخذت به، فكان لابد من استدعاء الكهربائي لنقل موضعه. ونظرتْ فأبصرت عدّاد الغاز فزادت في التأرجح حتى بلغت الحائط وأمسكت بالخّزان فخلعته على متانته وثنت