كان كمال الدين متواضعا ذا روح علمي صحيح سما العلم بنفسه وصقل روحه، فإذا الإخلاص للحق والحقيقة يسيطر على جميع أعماله فلم يترك مناسبة دون تبيان الحقيقة وإعلاء شأن الحق وكان يسير على القول السائر:(العلم يزكو بالإنفاق) فكان يجيب على ما يأتيه من مسائل من بغداد وغيرها من حواضر الإمارات ويوضح المشكلات التي ترد عليه من سائر الأقطار في مختلف فروع المعرفة، وجاء أن أحد علماء دمشق أشكل عليه مواضع في مسائل الحساب والجبر والمساحة وأقليدس، فكتب إلى كمال الدين يستفسره عنها فأجابه عليها وقد كشف عن خفيها وأوضح غامضها، وذكر ما يعجز الإنسان عن وصفه. ثم كتب في آخر الجواب:(فليمهد العذر في التقصير في الأجوبة فإن القريحة جامدة والفطنة خامدة قد استولى عليها كثرة النسيان وشغلتها حوادث الزمان. . .)
لقد اعترف له الأقدمون من العلماء والباحثين بالفضل والنبوغ فقال ابن خلكان:(. . . وكان يدري في الحكمة والمنطق والطبيعي والإلهي وكذلك الطب، ويعرف فنون الرياضة - من أقليدس والهيئة والمخروطات والمتوسطات والمجسطي وأنواع الحساب المفتوح منه والجبر والمقابلة وطريق الخطأين والموسيقى والمساحة - معرفة لا يشاركه فيها غيره إلا في ظواهر هذه العلوم دون دقائقها والوقوف على حقائقها، واستخرج في علم الأوفاق طرقاً لم يهتد إليها أحد. . .) وفوق ذلك كان عالماً بالعربية والتصريف، قرأ سيبويه والإيضاح والتكملة لأبي علي الفارسي والمفصل للزمخشري (وكان له في التفسير والحديث وما يتعلق به وأسماء الرجال يد جيدة. . .) ولم يقف علمه عند هذا الحد بل عنى بتاريخ العرب وأيامهم فقد كان يحفظ الشيء الكثير من أشعارهم ووقائعهم، ودرس التوراة والإنجيل، ووقف على كثير من دقائقهما، وقد قرأهما عليه بعض أهل الذمة واعترفوا بأنهم لا يجدون من يوضحهما لهم مثله:(. . . وبالجملة، فإن مجموع ما كان يعلمه من الفنون لم يسمع عن أحد ممن تقدمه أنه قد جمعه) واعترف أيضاً معاصروه بتفوقه، فقال أثير الدين المفضل الأبهري - وهو عالم كبير في الخلاف والأزياج بفضل كمال الدين وعبقريته - (ليس بين العلماء من يماثل كمال الدين، وقال موفق الدين عبد اللطيف البغدادي - وهو من كبار علماء القرن السادس للهجرة - إنه لما لم يجد في بغداد من يأخذ بقلبه ويملأ عينه ويحل ما يشكل عليه سافر إلى الموصل سنة ٥٨٥هـ، فوجد فيها كمال الدين بن يونس