للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجنة!

فاه بهذه الجملة، والحزن يكاد يقطع عليه أنفاسه؛ ولم يبلغ كلمة (الجنة) إلا بعد أن قاسى من ألأم النفس مثل ما قاساه من نصب يومه؛ فتقدمت منه وكأن الخبر لم يعصف بنفسها، ولم يظهر أثره على وجهها. . .

- ويك ماذا تعني؟ أقُتلوا جميعا؟

- رأيتهم الواحد يُصرع بعد الآخر، يذودون عن موقف تهافت العدو على أخذه تهافت الجراد على النار

- أذهبوا متاعا رخيصا؟

- إنهم - وحدهم - كانوا جيشا، كأنما الموت مورد عزموا أن يردوه جميعا؛ كلما فترت عزيمة واحد منهم هتف به الآخر (وصية العجوز يا أخاه)!

وكأن هذه الكلمة أيقظت فيها الروح التي كلمت بها أولادها فقالت:

- ذلك ما يبعثني على أن أقول: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وإني لأرجو الله أن يجمعني وإياهم في مستقر رحمته؛ ولكن أنبئني ما صنع الله بكم؟

- جئنا بالنصر معقوداً على راياتنا

- هذه التعزية المثلى لي فيما تبقى من أيامي المعدودة، لقد مات أخي صخر من قبل، فلم يسعني من دنياي بعده إلا هذا الصدار الأسود، وهيهات أن أجد مكانا للتعزية فيه، وها يموت أبنائي الأربعة فيعزيني عن موتهم هذا الظفر

والتفتت إلى ناحية بيتها، وأخذت تدب وئيداً، والرجل يتبعها صامتا حتى توارت عنه، فوا الله ما إن سمع لها أنة، ولا رأى لها عبرة، وذهب وهو لا يكاد يوقن بأن هذه التي كانت مثل الأخت المفجوعة الحزينة التي لا يسري عنها شيء، والتي قضت أيامها تبكي حتى ابيضت عيناها من البكاء، هذه الأخت الولهى تصبح المثل الأعلى للأم التي تعتقد أن أولادها للوطن والواجب قبل أن يكونوا لها، وإذا أراد الوطن استئثاراً بهم قدمتهم، وإذا استوهب الوطن منهم أنفسهم لم تضن بها ولم يضنوا، وكأنها بعد ذلك كله لم تبذل شيئا ولم تفقد شيئا

في الإيمان سر تنحني الإرادة عنده، وكيف يريد علماء النفس أن يعللوا مزاجين مختلفين

<<  <  ج:
ص:  >  >>