السيطرة على مكة، والتحكم في طريق تجارتها، وكانت قبائل العرب قبل عهده، لتفككها، محتاجة إلى مصانعة الملوك المجاورين، لتطمئن على هذه التجارة، على أن النبي - فضلاً عن ذلك - كان يرى أن الشام وما جاورها، هي الطريق الطبيعي لامتداد دولة الإسلام وانتشار الدعوة إليه، وتخطيها حدود الجزيرة، وغير مستغرب أن يتطلع إلى ما وراء الجزيرة، من جاء بدين الحق للناس كافة، لا للعرب خاصة. . .
وقد تأنى، ولم يعجل بفتح مكة، لأنه كان واثقا من الظفر بها في أوانه المقدور، ولكنه وجه إلى الشمال ثلاثة آلاف قاتلوا في مؤتة، وكانت هذه (حملة تأديبية) صارت مقدمة لغزوة ذات السلاسل، ثم لغزوة تبوك، لما بلغ النبي عليه الصلاة والسلام أن الروم يتهيئون لغزو حدود العرب الشمالية. على أن الروم لم يحاربوا بل انسحبوا لما بلغهم أمر الجيش الذي سيره النبي وقوته، فآثر النبي ألا يتبعهم، واكتفى بالإقامة عند الحدود متحدياً متحفزاً عاملاً على كفالة هذه الحدود وتأمينها، وقد خضع له غير واحد من الأمراء هناك وأعطوه الجزية، وسار خالد بن الوليد بأمره فاستولى على دومة وبذلك أمن النبي عليه الصلاة والسلام الحدود الشمالية، وجعل من البلاد التي تعاهد مع أمرائها، معاقل وحصوناً قائمة بينه وبين الروم، وانتفى كل خوف من العدوان على الجزيرة وأهلها
ولكن النبي لم يكتف بذلك، فما كاد يعود من حجة الوداع حتى أمر بتجهيز جيش عظيم أمر عليه أسامة بن زيد بن حارثة ليسير به إلى الشام. فخرج من المدينة، ولكن الله لم يكتب له الذهاب إلى الشام فقد مرض النبي، واشتد عليه الأمر، فحال ذلك دون مسير الجيش، وكان أن انتقل رسول الله إلى الرفيق الأعلى. فانصرف المسلمون إلى شؤونهم العاجلة، مثل ($) واختيار أمير للمؤمنين، ثم الردة وما استوجبت من التفرغ لقمعها ولكنهم بعد أن انتهوا من ذلك، واطمأنوا إلى استقرار الأمور في شبه الجزيرة، شرع أبو بكر رضي الله عنه، في إمضاء سياسة الرسول، فوجه الجيوش إلى الشمال
والمؤرخون الغربيون يصفون أبا بكر أحيانا بأنه (محمد الثاني) ولا يعنون بذلك أكثر من أنه هو الذي شرع في رفع بناء الدولة الإسلامية التي وضع الرسول (ص) قواعدها وأرساها وقررها، وأن موقفه من المرتدين هو الذي كفل لدولة الإسلام أن تبقى قائمة، وأن يتيسر لها الامتداد. . . على أن هذا موضوع آخر، لا نرى أن نستطرد إليه فنخرج عما