للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في سرعة الرقة كلما تأزّقت وهي غاضبة وكان يجتمع أطفال الجيران على دراجاته ويسيرون بها في الطريق صفاً يحملون الاعلام ويزأطون يوفرحون، فتتقدمهم ميمي على دراجتها تتعرّف لهم المسالك وهي مثلهم زائطفة فرحة مغتبطة حتى لتحسبها منهم لولا مظهرها

وكان أمين المتحف يصطحبها معه إلى مقر عمله في سيارته فكانت تتشبث باصطحاب دراجتها فلا تنزل عند باب المتحف حتى تخف اليها فتركبها داخل المتحف. وكان غرائبها انها كلما وصلت إلى طَبق الحديد الذي يغطى انابيب المجاري بأرض المتحف تترّجل حتما وتجرّ دراجتها عليه ثم تركبها بعد تخطيه مع انه في استواء الأرض لا يحسه الراكب وظهر منها هذا الشذوذ عينه لما سارت في الطابق الأعلى فانها كانت كلما صادفت في بلاط الارض صفاً اسود تخطته راجلة وكانت تأكل مع صاحبها في مطعم المتحف ظهراً فتسير اليه بالدراجة وتذهب إلى مكانها دون تلكع فيهيجها صوت الآكلين وقرع الصحون وشميم الاطبخة فتصرخ فيبتهج لصراخها أصدقاؤها الكثيرون من حولها. وتدور بعينيها تطلب حاملات الطعام فاذا بصرت بهن هزت جسمها سروراً وتلفظت بالرضاء، فاذا استقر الطعام أمامها رفعت شوكة أو ملعقة من ذات نفسها، وقد تخطئ فترفعها بيسارها فتنقلها إلى يمينها ولكن بعد امساكها بفمها. وهي تأكل البسائط، فتأكل الخبز والزبد واللبن والبطاطس والسبانخ والفول الأخضر والخس والطماطم والفواكه وشيئا من اللحم أحياناً، واختصاراً كل ما كان يأكله الناس. وهي تحب الحلوى كائنة ما كانت ساخنة أو مثلوجة وإذا انتهت من الطعام بسطت منديلها فمسحت به وجهها وتشرفت ميمي بدعوة من رئيس المتحف الأمريكي العام للتاريخ الطبيعي في وليمية رسمية كبرى، فذهبت في سيارة إلى بؤرة المدنية لأول مرة، فاخترقت الطرقات العظيمة على أضوائها الشديدة وزينات مسارحها الباهرة، في جو ملئ بنغم الاوتار ونفخ المزمار وأدخنة السجائر والسيجار وأبواق السيارات وضجيج الحجيج من أهل اللباس الأنيق والزِّيِّ الرشيق والذوق الرفيع. فأهاجت ميمي كل تلك المظاهر لاشك ولكنها صمّمت كأنما تفكر في موطنها الافريقي. وجاء أوان النزول من السيارة فخفَّت ميمي إلى درّاجتها وسارت بها عَبْر البهو إلى قاعة الطعام الكبرى فاتخذت مجلسها بين الضيوف، وجاءتها الصحفة بعد الصحفة. فأكلت بأدب من كل

<<  <  ج:
ص:  >  >>