ثلاثون يوماً. والصيام الإسلامي يبتدئ بابتداء الشهر وينتهي بانتهائه، أما صيامهم فيبتدئ من اليوم الثامن من الشهر وينتهي في الشهر التالي له
(ثالثاً): إن اختيار رمضان بالذات ليس سببه اتفاق مبدئه في أول عام شرع فيه الصوم مع مبدأ صيام الصابئين، كما ذهب إلى ذلك الدكتور جاكوب، وإنما سببه - كما صرح بذلك الكتاب العزيز، وكما يدل البحث التاريخي المجرد عن الهوى - أنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن. فلا غرو أن اختصه الله بهذه المزية من بين سائر الشهور
(رابعاً): هذا إلى أن القرآن الكريم ينص على أن ما سن لنا من الشرائع قد سن مثله لكثير من الأمم قبلنا. قال تعالى:(شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى. . . الآية). وقال عز وجل:(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم. . .) فمن الممكن إذن أن يكون صيام الثلاثين عند الصابئين والمانوية مستمداً في الأصل من شريعة سماوية تقادم عليها العهد فدخلها التحريف والتبديل وبعدت عن غاياتها الأولى وصبغت بصبغة التقديس للكواكب، وأن الدين الإسلامي قد كتب نفس الصوم الذي كتبته هذه الشريعة، فأحياها طاهرة نقية وقضى على كل ما علق بها من أدران الشرك
وقد ذهب بعض المؤرخين من المسلمين وغيرهم إلى أن صيام رمضان كان منتشراً عند بعض قبائل العرب في الجاهلية ولاسيما قريش؛ ويؤيدون رأيهم هذا بأن النبي عليه الصلاة والسلام نفسه كان قبل بعثته يقضي في غار (حراء) شهر رمضان من كل عام متحنثاً صائماً. وقد اختلفوا في أصل هذا التشريع. فمنهم من يرى أنه من الشرائع التي جاء بها إبراهيم عليه السلام، ويستدل على ذلك بأن الذين ثبت أداؤهم لهذه الشعيرة في الجاهلية كانوا من المعروفين باتباعهم لملة إبراهيم؛ ومنهم من يرى أن عبد المطلب جد النبي عليه الصلاة والسلام هو أول من سنه وسار عليه (وقد أخذ بهذا الرأي الأستاذ موير في كتابه (حياة محمد))
ولكن لم يثبت بعد شيء من هذا كله بالدليل القاطع. ومهما يكن، فإنه لا يضير الدين الإسلامي في شيء أن يكون صيام رمضان متبعاً عند العرب قبل بعثة الرسول. فمن المحقق أن الشريعة المحمدية أقرت كثيراً من عادات العرب وشعائرهم، وأن ركناً كبيراً