(. . . ألا إن هذا الحي من بني عبد مناف هو منا ومنكم حيث علمتم؛ وإنهم ليطلبون غاية ليس إليها سبيل، أفنتركهم وما يحاولون حتى يئول أمرهم إلى أمر؟. . .
(. . . وهذا أبو طالب بن عبد المطلب يمنع ابن أخيه أن يخلص إليه ما يكره، فما لنا سبيل عليه بعد، فليجتمع أمرهم على ما يريدون وليجتمع أمرنا؛ ولتكن براءة قاطعة بيننا وبين هذا الحي من قريش: لا معونة بيننا وبينهم في أمر؛ فلا نبيعهم شيئا، ولا نبتاع منهم، ولا نخالطهم في شيء؛ وكل رحم بيننا مقطوعة حتى يفيئوا إلى أمرنا؛ فإنهم يوشكون إن بلغت هذه القطيعة أن تجف خضراؤهم فيموتوا جوعاً وعطشاً وعرياً، أو يعودوا إلينا مغلوبين وما تجرد سيف من غمده ولا أريق دم!
(يا قوم، فإن رأيتم فهذه يدي، وليكن بيننا عهد مكتوب نعلقه في جوف الكعبة توكيدا لما تقاسمنا عليه. . . وإن أبيتم. . .)
وصاح صائح من أقصى المجلس:(رضينا يا أبا الحكم!)
وجاء كاتبهم منصور بن عكرمة فأملى عليه:
(باسمك اللهم. . .
(هذا ما تعاهد عليه أشراف مكة وذوو الرأي من قريش: أبو الحكم بن هشام، وأبو لهب بن عبد المطلب، ومنصور إبن عبد شرحبيل، وبغيض بن عامر. . . أنهم براء من بني هاشم وبني المطلب، لا يبيعونهم شيئاً، ولا يبتاعون منهم، ولا يخالطونهم في شيء، وكل رحم بينهم مقطوعة، حتى يفيئوا. . .)
وتناول أبو الحكم الصحيفة فطواها، ثم علقها في جوف الكعبة، ليشهد الله أمرهم وأمر بني عبد مناف!
وأوى محمد وأصحابه إلى شعب أبي طالب من شعاب مكة، حتى يقضي الله أمراً بينهم وبين بني عمهم من قريش، ليس لهم مطمع إلا فيما بين أيديهم من طعام ولباس وشراب، ولا يعرفون إلى كم يمتد الحصار المضروب عليهم في هذا الشعب الضيق ليس له إلا باب واحد يقف الأعداء بمرصد قريب منه يمنعون أن يدخل إليهم داخل بشيء من الزاد أو الميرة. . .