ونظر القراء؛ فإذا الأرضة قد لحستها لم تترك فيها من شيء يقرأ إلا (باسمك اللهم. . .)
وخرج المسلمون من شعب أبي طالب إلى فضاء مكة كعهدهم يوم كانوا؛ وانفك الحصار الذي كان مضروباً عليهم ثلاث سنين لا يبيعون ولا يباعون؛ وإن كانوا من عداوة المشركين لهم وائتمارهم بهم في أمنع وأبلغ؛ ولكن شيئا من ذلك لم ينل من نفوسهم ولم يوهن عزائمهم
ومضت أربع سنوات أخر؛ ثم انطلق المسلمون من الحصار المضروب عليهم حول مكة كلها مهاجرين إلى حيث يؤلف محمد وصحابته حكومتهم في دار الهجرة؛ ولا تمضي إلا سنوات من بعد، حتى يكون محمد وأصحابه في طريقهم إلى مكة يقودون الجحفل اللجب ليحاصروا مكة كلها ويسلم إليهم أهلها صاغرين!
ودار الفلك دورته؛ فإذا تلك القلة من بني عبد مناف وجيرانهم الذين كانوا بالأمس محصورين في شعب من شعاب مكة لا يجدون ما يأكلون - قد وثبوا أكبر وثبة عرفها التاريخ، فإذا منهم القادة والسادة والأمراء، يضعون يدهم على مفاتيح خزائن الدنيا، ويبشرون بدين الله في أربعة أقطار الأرض. ورفرفت الراية الإسلامية على قلاع فارس والروم وأوربا؛ ومضى جنود المسلمين من أبنائهم وحفدتهم يطئون العروش ويقتحمون الممالك وهتافهم يدوّي حيث كانوا:(باسمك اللهم! باسمك اللهم!)