وخرج أبو طالب إلى قريش في ناديهم ليتحدث إليهم في أمر. . .
ويصعب على هشام بن عمرو ما يلقى أخوه نضلة والمسلمون معه، فيمشي إلى جماعة من أشراف قريش لهم في بني عبد مناف صهر وخئولة؛ فيحرضهم على نقض الصحيفة، رعاية لحرمات النسب وحفاظاً على حق الدم، فيجتمع على رأيه بضعة نفر، فيتوافقون على ميعادهم إلى حيث كان وجوه قريش مجتمعين في ناديهم من الحجر؛ ويقدمهم زهير بن أمية (وأمه عاتكة بنت عبد المطلب) فيطوف بالكعبة سبعا ثم يقبل على الناس فيقول:
(يا أهل مكة، أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى لا يباع ولا يبتاع منهم؟ والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة!)
ويرتاع أبو جهل بن هشام لما يسمع، فلا يكاد يرد رأيه حتى تأخذه الأصوات من كل جانب: (مزقوا الصحيفة، لا نرضى ما كتب فيها ونبرأ إلى الله منه!)
تلك كانت أصوات هشام بن عمرو وأصحابه الأربعة: المطعم إبن عدي بن عبد مناف، وزهير بن أمية بن المغيرة، والعاص ابن هشام، وزمعة بن الأسود
ويبلغ الغيظ بابي جهل وأصحابه ما يبلغ، أن رأوا ما أجمعوا عليه يحاول أن يخرج من أيديهم حين ظنوا أنهم من الغاية التي يهدفون إليها على خطوات، وأن محمداً وأصحابه يوشكون أن يفيئوا. . .!
وقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل، وما أحسبكم إلا دبرتموها في غير هذا المكان!
ويقدم أبو طالب بن عبد المطلب في جماعة من بني أبيه قد لبسوا أحسن ما يجدون من الثياب؛ فما إن يسمعون ما يقول أبو جهل حتى يبتدره أبو طالب: (بل هو أمر قد قضاه رب محمد)
والتفت أهل الندى إلى حيث كان أبو طالب في أهله، لا يدرون ما يعني مما يقول!
وتقصف الناس على أبي طالب يستثبتونه عما قال، ومضى في حديثه:
(. . . بلى، وإن بيننا وبينكم هذا العهد المكتوب في الصحيفة، فإن ابن أخي أخبرني من أمرها. . . فهلم إلى صحيفتكم؛ فإن كان كما قال ابن أخي فانتهوا عن قطيعتنا وانزلوا عما فيها؛ وإن كان كاذبا دفعته إليكم فما شئتم فافعلوا به!)
ووثب المطعم بن عدي إلى حيث كانت الصحيفة في جوف الكعبة، وفض غلافها، ونظر،