للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويشد سعد بن أبي وقاص على بطنه من ألم الجوع حتى يكاد يلتصق بظهره؛ وينال منه الجوع حتى يخرج في سواد الليل يلتمس رمقه، فيطأ على شيء رطب، فيضعه في فمه فيبتلعه، لا يدري ما هو، ولا يجد له في فمه مذاقا!!

ويتضاغَى أطفال المسلمين من الجوع، وتسمع أصواتهم من وراء الشعب صائحين من السغب والمتربة!

والمسلمون على ما بهم: لم ينل منهم الكفار منالاً بما صنعوا لأنهم وهبوا نفوسهم لله؛ فلا عليهم أن يموتوا جوعاً أو يموتوا مجاهدين في سبيل الله!. . .

وتسامع المشركون بما نال محمداً وأصحابه من الجهد والمسغبة فمنهم من سرّه ذلك، ومنهم من ساءَه. . .

ويفرح أبو الحكم بن هشام بما نال المسلمين من الجهد والمسغبة، ويستخفه الفرح حتى يأمل أملاً. . .

ويغضب من يغضب من قريش لما نال إخوانهم وأبناء عمومتهم من بني عبد مناف، وإن كانوا على دين محمد!

ويشفق هشام بن عمرو بن ربيعة على ما نال أخاه لأمه نضلةَ ابن هشام بن عبد مناف، وكان مع المسلمين في شعب أبي طالب، فيأتي ببعيره قد أوقره طعاماً وبزاً. . . فيقبل به فم الشعب ليلاً وقريش في غفلاتها، ثم يخلع خِطامَه ويضرب على جنبيه فيدخل الشعب عليهم ليقتسموا ما يحمل من طعام وبز. . . وماذا يغني بعير واحد والمسلمون كثرة يكاد يقتلها الجوع والعرى؟. . .

ويقول أبو طالب لابن أخيه: (لقد بلغ الجهد منا ما ترى، وإن رجالاً من قريش قد استشعروا الندم على ما تعاقدوا عليه، لولا شرف السمعة وتهمة الخيانة لأحلوا أنفسهم مما ارتبطوا به من عهد الصحيفة!)

وابتسم محمد بن عبد الله، وقال: (يا عم، إن الله قد سلّط الأرضة على صحيفة قريش؛ فلم تدع فيها اسماً هو لله إلا أثبتته فيها، ونفت منها الظلم والقطيعة والبهتان!). . .

ويفرح أبو طالب ويقول: (أربك أخبرك بهذا؟)

قال: (نعم!)

<<  <  ج:
ص:  >  >>