فلن نصاب بعبادة الأشخاص وتأليه الأفراد. وهذه إحدى نعم الله في محمد على الديمقراطية وميراثها. فقد كفل الله لكل نفس حق سيادتها واستقلالها بالعلم والرأي حين خولها القرآن:(مأدبة الله في أرضه) وجعل مبادئه واضحة أمامها دائما: (ولقد يسرنا القرآن للذكر، فهل من مدكرٍ) وعلى قدر الامتلاء من مبادئ محمد و (تمثيل) الأشخاص لها يكون مركزهم من قيادة أمتهم من غير سيادة فردية أو خيلاء عاهرة أو مجد شخصي يطلبونه. . . وإنما هو ظل مجد محمد وقع عليهم فأضفى عليهم لوناً من ألوانه
إن محمداً نفسه لم يطلب مجداً ولم يرد ذكر كلمة المجد الإنساني على لسانه. . . وإنما كان يعرف أن المجد لله كله والتوفيق منه. وما كان قلبه يبيح له أن يطلب هذه الصغائر التي تذهب قيم العظائم. وإنما كان يذكر كلمة (الواجب) والجهاد له كثيرا. . .
وإن من طبيعة الرسالة المحمدية أن تحطم الأنانية الفردية والكبرياء والخيلاء والادعاء، لأنها تعرف أن هذه الصغائر لا يقوم معها حق ولا فضيلة ولا دولة ولا سيادة قومية ولا ملية. ولذلك خرج العرب بعدما وعوا ما في ألواح هذه الرسالة خافضي الجوانب من الطاعة والرحمة والتواضع في غير ذله (تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناه) قد يركب عبدهم على دابة والسيد يسير بجواره. وقد يضع ابن البيضاء لابن السوداء خده على التراب استغفاراً من تعييره مرة بسواده وتوكيداً لاعتذاره. . .
لقد أوشك أن يختفي اسم الله عن إنسانية هذا العصر، ويختفي ما كان يحيط بهذا الاسم من عالم الطهر والخير والصبر وانتظار الجزاء من وجهه ذي الجلال، ويظهر وجه الشيطان والإنسان وحدهما. فأبطال الدنيا يخفون اسم الله عن أعين القطعان التي أسلمت قيادها لهم، وهم يجحدون بذلك كل جهاد أولى العزم من الرسل والمصلحين السابقين الذين أوصلوا الإنسانية إلى ما وصلت إليه، ويبدءون فلسفة أنانية، ولا يرون من حقائق الحياة العليا إلا القوة
إنهم شككوا الناس في رحمة الله وعدله وأوشكوا أن يريبوهم في وجوده! وبذلك خبلوهم وصرفوهم عن رؤية أول حق يجب أن يرى. . .
لقد يتساءل بعض الذين لم يتصلوا بأصول الحياة: أين رحمة الله في حرب مثل الحرب العظمى أو هذه الحرب التي توشك أن تكون أعظم؟ واين قيمة الإنسانية التي نزعم لها