للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكانت الغرفة الأخرى في الدار ممتلئة بأفراد آخرين من المسلمين كعثمان بن مظعون وأخويه قدامة وعبد الله وكعبيدة بن الحارث وسعيد بن زيد وامرأته فاطمة ابنة الخطاب. كانوا يتحدثون تارة ويذكرون الله أخرى، ويتواصون بالصبر والثبات على كل أذية حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا

في هذه الدار المنعزلة ولد الإسلام من جديد، وشيّد أول ركن من أركانه، وبزغ أول شعاع من أشعته الوهاجة التي أضاءت العالم. . . إلى هذه الدار المنعزلة كان يأوي كل يوم أفراد من العرب يهجرون أباطيل أجدادهم وأصنامهم ويسلمون على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وينضمون إلى إخوانهم فيزيدون قوة. . . ولم تمض إلا أيام قليلة حتى أصبح المسلمون فيها تسعة وثلاثين يعبدون الله مستخفين ينتظرون القوة والمدد من الله، ولكن رجلا لا كالرجال أسلم وانضم إليهم وكملوا به أربعين لم يرضه أن يبقوا مستخفين خائفين بل قال: يا رسول الله، ألسنا على الحق؟ قال: بلى. قال: والله لن نبقى هنا، ولابد من الخروج. . . ذلك هو عمر بن الخطاب

وكانت خاتمة هذه الدار التي كانت أول مرحلة من مراحل الإسلام، خاتمة رهيبة عظيمة سارة فخمة، إذ خرج منها المسلمون وهم يكبرون معتزين فخورين، فكأن جدرانها وأرضها وسماؤها وكل شبر فيها قد نفخ فيهم روح العزة والفخار والجرأة، فأصبحوا لا يبالون شيئا في سبيل الإسلام

لك الله أيتها الدار: لقد لمت شمل المسلمين بعد أن كادت تفنيهم وحشية المشركين، ولقد آويت المسلمين وأمنهم وزدتهم قوة بزيادة عددهم. لقد كنت الحصن رد عن المستضعفين قنابل الظالمين، ولقد كنت أول مسجد جمع المؤمنين تحت راية رسول الله وفي كنفه

سنذكرك كلما ألمت بنا النكبات، وحاقت بنا المصائب، ودهتنا الدواهي، وسنتأسى بذكراك كلما رأينا ضعف المسلمين وخذلانهم، وتأخرهم وذلهم، فلن يعرف اليأس إلى نفوسنا سبيلاً ولن يزيدنا الضعف إلا قوة. لقد كان المسلمون فيك أفراداً معدودين لا سلاح لهم إلا إيمانهم وعقيدتهم، تألب عليهم قومهم وناصبوهم العداء والأذى وهم ألوف مؤلفة، ولكن النتيجة كانت للإسلام الذي قضى أيام طفولته في دار الأرقم

عليك وعلى صاحبك وأضيافه رحمه الله، وعلى أشرف الخلق صلاة الله وسلامه

<<  <  ج:
ص:  >  >>