للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يؤثر الإنسان على ربه شيئا مما وهبه ربه، فإيثار الدين على كل ما يعزه الإنسان من مال وأهل ونفس ووطن هو درس الهجرة الثاني، الذي يجب أن يتعلمه المسلم ولا ينساه، هما درسان عظيمان من دروس الهجرة النبوية الكريمة يجب ألا ينساهما المسلم: درس عدم الإقرار للذلة في الدين بأي صورة أو لأي سبب، ودرس إيثار الله ودينه على كل شيء مما خلق الله ومما يعلق به قلب الإنسان

إن قلب المسلم يجب ألا يستشعر خوفا غير خوف الله، ولا رجاء إلا رجاء الله الذي خلقه والذي له مقاليد السموات والأرض وبيده نواصي العباد. هذا هو التوحيد المطلق، وهذا هو الإسلام لله، ومدى التفاضل والتفاوت في هذا واسع عظيم كما نرى، لكن على المسلم أن يجتهد في تحقيقه ما استطاع. عليه أن يحب الله فوق كل شيء؛ ويؤثر الله على كل شيء، ويضحي في سبيل الله إذا لزم الأمر بكل شيء، ولو اقتضى ذلك الخروج في سبيل الله عن المال، والتضحية في سبيل الله بالنفس والأهل والمهاجرة في سبيل الله عن الوطن، إن كان الوطن مما لا يستطيع المسلم أن يقيم فيه الدين

لكن من فضل الله علينا وعلى المسلمين اليوم أن عافانا من ذلك الامتحان الشديد، امتحان ترك الوطن في سبيل الدين. فوطننا والحمد لله وطن إسلام وليس وطن كفر، وهو والحمد لله وطن أمن للدين والمتدينين وليس وطن اضطهاد كما كانت مكة حين هاجر منها الرسول صلوات الله عليه. فموقف المسلمين اليوم في هذا البلد وفي كل بلد مسلم ليس هو موقف الرسول صلوات الله عليه والمسلمين في مكة قبل الهجرة، ولكن هو موقف الرسول صلوات الله عليه والمسلمين في المدينة بعد الهجرة. أعزوا الإسلام فيها ودافعوا عنه كل مهاجم أو مغير، ولم يقبلوا لحظة واحدة أن تكون كلمة في مدينتهم فوق كلمة الله، أو يكون الحكم في أرضهم إلا لله، وهذا هو واجب المسلمين الآن، واجبهم أن يعزوا دين الله في بلادهم كما أعزه رسوله والمؤمنون الأولون، فلا يقبلوا في دينهم مطعناً، ولا لأحكامه مخالفة، واجبهم أن يثبتوا في بلادهم ويثبتوا الإسلام فيها كما فعل النبي في المدينة، وأن يدفعوا عن دينهم وبلادهم كل مهاجر ومغير

وليس الدفاع عن الإسلام وبلاده بالسيف والمدفع فقط. هذا هو آخر الدفاع، لكن أول الدفاع وأهمه هو الدفاع عن روح الإسلام في بلاده. إن روح الإسلام إذا ضعف في المسلمين فلن

<<  <  ج:
ص:  >  >>