للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فلو أن النبي عليه السلام شرط على قريش أن ترد إليه من يقصدها من رجاله لنقض بذلك دعوى الهداية الإسلامية، ونقض الوصف الذي يصف به المسلمين. فإن المسلم الذي يترك النبي باختياره ليلحق قريشاً ليس بمسلم ولكنه مشرك يشبه قريشاً في دينها وهي أولى به من نبي الإسلام

أما المسلم الذي يُرد إلى المشركين مكرهاً فإنما الصلة بينه وبين النبي الإسلام وهو شيء لا سلطان عليه للمشركين ولا تنقطع الصلة فيه بالبعد وبالقرب. فإن كان الرجل ضعيف الدين ففتنوه عن دينه فلا خير فيه، وإن كان وثيق الدين فبقي على دينه فلا خسارة على المسلمين

وما انقضت فترة وجيزة حتى علمت قريش أنها هي الخاسرة بذلك الشرط الذي حسبته غنماً لها وخذلاناً لمحمد صلوات الله عليه، فإن المسلمين الذين نفروا من قريش ولم يقبلهم محمد في حوزته رعاية لعهده قد خرجوا إلى طريق القوافل يأخذونها على تجارة قريش وهي أمان في عهد الهدنة بين الطرفين، فلا استطاع المشركون أن يشكوهم إلى النبي لأنهم خارجون من ولايته بحكم الهدنة، ولا استطاعوا أن يحجزوهم في مكة كما أرادوا يوم أملوا شروطهم في عهد الحديبية، ولو قضى العهد بولاية للنبي على من ينفر من مسلمي مكة لجاز للمشركين أن ينقضوه أو يطالبوا النبي بالمحافظة عليه. وتم العهد فعرف من لم يعرف ما أفاء على الإسلام بعد قليل

فجهر بمحالفة النبي من لم يكن يجهر بولائه، واستراح النبي من قريش ففرغ ليهود خيبر والممالك الأجنبية يرسل الرسل إلى عظمائها بالدعوة إلى دينه، وفتح الأبواب لمن يفدون إليه ممن أنكروا بغي قريش وأمنوا أن تكون نصرتهم للإسلام حرباً يبتلون فيها بما لا يطيقون

ويوم نزلت الآية الكريمة على أثر اتفاق الحديبية (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيما) لم يفقه الكثيرون معناها في حينها ولم يتبينوا موضع الفتح من ذلك الاتفاق الذي حسبوه محض تسليم، ولكنهم فهموا أي فتح هو بعد سنتين، وعلموا أن من الفتوح ما يكون بغير السيف وما يشبه الهزيمة في ظاهره عند من يتعجلون ولا يحسنون النظر إلى بعيد

<<  <  ج:
ص:  >  >>