للاتفاق بين خصومه على قرار واحد، وقلّ من أتباعه من أدرك قصده ومرماه حتى الصفوة المختارين
ولما اتفق الطرفان - المسلمون وقريش - على التعاهد والتهادن كانت سياسة النبي في قبول الشروط التي طلبتها قريش غاية في الحكمة والقدرة (الدبلوماسية) كما تسمى في اصطلاح الساسة المحدثين
دعا بعليّ بن أبي طالب فقال له:(أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم)
فقال سهيل بن عمرو مندوب قريش: أمسك! لا أعرف الرحمن الرحيم، بل اكتب باسمك اللهم
فقال النبي: أكتب باسمك اللهم
ثم قال: أكتب (هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل ابن عمرو)
فقال سهيل: أمسك! لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك
وروي أن علياً تردد فمسح النبي ما كتب بيده، وأمره أن يكتب (محمد بن عبد الله) في موضع محمد رسول الله
ثم تعاهدوا على أن من أتى محمداً من قريش بغير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشاً من رجال محمد لم يردوه عليه، وأنه من أحب من العرب محالفة محمد فلا جناح عليه، ومن أحب محالفة قريش فلا جناح عليه، وأن يرجع محمد وأصحابه عن مكة عامهم هذا على أن يعودوا إليها في العام الذي يليه، ويقيموا بها ثلاثة أيام ومعهم من السلاح السيوف في قربها، ولا سلاح غيرها.
ولو كان عهد الحديبية هذا قد كتب بعد قتال انهزم فيه المشركون وانتصر فيه المسلمون لوجب أن يكتب على غير هذا الأسلوب، فيعترف المشركون كرهاً أو طوعاً بصفة النبوة ولا يردون أحداً من مواليهم أو قاصريهم يذهب إلى النبي ويلحق بالمسلمين.
ولكنه عهد مهادنة أو عهد (إيقاف أعمال العداء إلى حين) كما يسمونه في اصطلاح العصر الحاضر، فلا يعوزه شيء من الأصول المرعية في أمثال هذه العهود من إثبات صفة المندوبين التي لا إرغام فيها لأحد الطرفين ولا مخالفة لدعوى الفريقين، ومن حفظ كل لحقه في تجديد دعواه واستئناف مسعاه