بعد رؤيتك لي وأنا مريضة عائدة عليك كما كانت عليك تبعة الذنوب التي كانت قبل المرض.
لقد شاهدتك البارحة وأنت جالس على كرسي في غرفتك تراقب نافذتي وأنت مشغول عن كل ما حولك إلا عن نافذتي كأن عينيك لا تشاهدان إلا ما وراء زجاجها، فسمعت صوتاً ساعدني على فهمه سكون الليل وهدوءه، سمعت صوت زوجك تناديك قائلة (لماذا لم تدخل إلى الغرفة؟) فأجبتها بحدة جواباً ظهر لي منه انك تألمت لهذا السؤال الذي قطع تلك اللذة التي كنت تشعر بها وأنت منفرد عن بقية أفراد الأسرة، قلت لها (إذا كنت تريدين النوم فنامي، إني أود أن أبقى في الشرفة).
لا أدري لماذا أكتب اليك كل هذا؟ وربما كان ذلك لتبرئة نفسي من تبعة ما كان، إني لا أدري كيف عزمت وقر رأيي على كتابة هذه الرسالة، ولست أدري ما الذي يمنعني من تمزيق تلك الورقة التي أحررها اليك؟ أنت ترى اني لم أجد جواباً لهذه الاسئلة، ولكني أرى اني تابعة لحسن خفي يسوقني لارسال هذا الكتاب اليك. تصور فتاة نشأت بين دلال الأم وعطف الأب، تقضي أكثر ليلها في مكتبة والدها تتلسى بقراءة الحكايات، وأكثر أيامها تمضي في السينما تبكي من الفواجع التي تصورها اللوحة الفضية، لا هم لها ولا غم، ولكنها تتألم الألم الناس وتحزن لحزنهم. ثم تذهب إلى مخزن الازياء فاذا عادت بما تحب قدمت إلى والدها أوراق الحساب ذات الارقام الضخمة. لم تفكر في حياتها كلها بشيء غير هذا، ولم يطرأ على حياتها طارئ الا ان شاباً ابتسمت له وهو يأمر وينهي خدمه وهم ينقلون الاثاث إلى المنزل الذي امام دارها، ثم ابتسم لها وهو يرسل سجف نوافذ المنزل، أليس الأمر حتى الآن طبيعياً؟ ولكن هذا الشاب لم يتلق هذا الابتسام كأمر طبيعي، بل ظل يراقب النافذة وهو مضطرب حائر، ثم بعد كل ذلك يرمى داخل مظلتها المغلقة وهو يمر من جانبها كتاباً من غير أن تشعر بذلك والدتها التي بجانبها، ان هذه الأشياء اخذت تخرج عن الحد الطبيعي، لذلك أصبحت الفتاة الشابة ترى أن الضحك ليس أمراً طبيعياً.
ما أشأم تلك المصادفات التي القتك في طريقي، وما أضل الافكار التي أوحت اليك وضع الورقة في مظلتي؟ ما هو الشيء الذي خولك حق رمي ورقة إلى فتاة لم تر ولو في المنام من يؤذيها أو يلعب بشعورها؟