بهذا الحسم الجازم. . . أفتظنين أنك هربت من السوء إلا إلى الأسوأ؟
- وهل يسوء مجتمع النساء أكثر مما يسوء إذا اختلطن بالرجال؟
- من غير شك. فهن بين الرجال قد يخجلن فيحتشمن، ولكنهن إذا انفردن انطلقن تتفرس كل منهن في الأخرى. وتفترس كل منهما الأخرى. وما أعجبها إذن معمعة حين تشب في ضريح أو مسجد، ينقلب المسجد من مطهرة إلى. . . إلى مدرسة!
- مدرسة؟! على أي شكراً لله فقد توقعت أن تقول شيئاً آخر. . . ولكن لماذا تقول إن اجتماعنا في المسجد يقلبه إلى مدرسة. . .
- لأنكن بطبيعتكن، إما أن تكن تلميذات، وإما أن تكن معلمات، ولا يمكنكن أن تكن غير ذلك إلا إذا فسدت طبيعتكن. فإذا وصف إنسان اجتماعاً من اجتماعاتكن بأنه مدرسة كان يبني وصفه هذا على خير الفروض فيكن. . .
- كلامك محتاج إلى برهان
- هذا يحتاج برهاناً؟ لا بأس. . . اسمعي. . . منبر السيد البدوي. . .
- عدنا إلى منبر السيد البدوي. . . لن نعود إلى ذكره حتى ننتهي مما كنا فيه. . .
- سننتهي منه ومما كنا فيه معاً. . . أريد أن أقول لك إنه آية فنية رائعة، وإنه على ضخامة حجمه وتعقيد تركيبه، مؤلف من قطع صغيرة التحم بعضها إلى بعض من غير غراء ولا صمغ ولا مسمار واحد، وإنه صنع في عهد واحد من الخديويين المتأخرين. ولقد أقيم للأستاذ الذي صنعه أستوديو أو (أتيليه) خاص كان مؤلفاً من عدة خيام، وإن الخديوي طلب يوماً أن يشرف هذا الأستوديو بالزيارة ليشاهد المنبر أثناء تاليفه، فأعتذر الأستاذ بأنه لا يستطيع أن يعمل إذا كان عليه رقيب غير الله. . . كما إنه لا يستطيع أن يصلي وبينه وبين القبلة إنسان ممتنع عن الصلاة جالس أو واقف ينظر إليه ويحصي عليه حركاته وسكناته. . . فهو لا ريب يشغله ويعوقه عن إحسان الصلاة على الأقل. . .
- عجيبة! ومن هو هذا الأستاذ الفيلسوف، وماذا كان رد الخديوي عليه. . .
- ما كان الخديو محب الفن إلا ليقدر مثل هذا الاعتذار وأن يجيزه إكراماً لفن الأستاذ (علي جَلَّطْ)!