بذراعه، ومضى يشق لكليهما طريقاً وهما يضحكان في حبور. فدوت ضحكاتهما في مسمعي كقصف الرعد. إذ كان يخيل لي أنني الرجل الوحيد في بيروجيا، الذي اصطفته جيوفانا خليلاً، وتعرفت إليه. . .
وقفز الخنجر من جيبي إلى يدي، فكدت أغمده في ظهر رفيقها لو لم تندفع كوكبة من الخيل إلى الساحة تتسابق، فحالت بيني وبينهما. فلما مضت لم يك ثمة أثر لجيوفانا ورجلها!. . .
ولك أن تتصور موقفي، وقد أعمتني ثورة الغضب، بينما أخذ الخنجر يخز راحة يدي، وضحكات القوم تستثيرني وتوهمني بأنهم جميعاً يعرفون قصتي ويسخرون مني. بيد أن إرادتي كانت قوية فلم ألبث أن أعدت الخنجر إلى جيبي وأنا أحمل النفس على الصبر وأعللها بالأماني. . . واندفعت مع القوم
وما لبثت أن ظفرت بثمرة صبري، إذ عثرت على جيوفانا ورفيقها في طريق (بيكولو امبرتو)، فرحت أقترب منهما حتى بات في وسعي أن أحصي الشعيرات خلف رأسها، أو أن أحل الرباط الذي يثبت القناع على وجه صاحبها. ولكن يدي لم تعد تتحسس الخنجر هذه المرة؛ فقد وجدتني في أهدأ الحالات، أتحين اللحظة الملائمة لإنفاذ انتقامي دون أن أعرض نفسي لأتفه الأخطار تبعتهما في طريق (بيكولو امبرتو) وهما يسيران في عزلة عن القوم لاهين، وقد غابا في غمرة سعيدة أنستهما ما حولهما، حتى أنهما لم يلتفتا نحوي مرة واحدة. . .
ثم. . . لحظة واحدة يا سيدي. . .
وهم باولي من مجلسه فحمل زجاجة الشراب الفارغة، وغاب في المنزل. . . وسمعته يسأل جيوفانا عن مفتاح المخزن، فأجابته بصوت نم عن غضبها لإقلاق راحتها، وكأنما كانت متذمرة لبقائه ساهراً حتى تلك الساعة المتأخرة، في جو الليل الرطب البارد، يتناول الشراب مع شخص أجنبي لم يسبق لهما التعرف إليه. . .
ثم عاد يحمل زجاجة جديدة من الشراب، فاتخذ مجلسه ثانية وتابع حديثه وكأنما لم يقطعه على نفسه. . .
اتبعتهما في الطريق، حتى وصلنا إلى أخرى تفضي إلى بيتها. وقبيل باب الدار، افترقا. . .