يمرون بي في طريقهم إلى الساحة لمشاهدة موكب العيد، وهم في أحاديثهم وضحكهم عني لاهون. . . ثم تحولت إلى حانة، فاتخذت لنفسي فيها مجلساً، وطلبت شراباً قوي التأثير، رحت أحتسيه وأنا غافل عن رجل أسمر، كان يجلس إلى منضدة قريبة. . .
لم أسرف في الشراب قط مثلما أسرفت في تلك الليلة. فقد لاح لي الكحول ساحراً بدد غضبي وأبدل به شيئاً من اليأس، الذي لم يلبث أن تحول إلى شعور من عدم المبالاة. وسرعان ما تناسيت جيوفانا، واندمجت في الحديث مع الرجل الأسمر، الذي عرفني وناداني باسمي، يدعوني إلى مجالسته
كان الرجل أحد تجار التحف في بيزا، وقد رأيته في متجر والدي يومذاك، إذ ذهب - رغم العيد - يسعى وراء صفقة. بيد أنه لم يحظ بفائدة لمرض والدي. وكانت لديه تحف رائعة ثمينة يبتغي بيعها بثمن بخس، إذ حصل عليها في سرقة ارتكبها فوجد أن من الخطر استبقاءها في حوزته في بيزا. وقد أراني منها بوديني - إذ كان هذا اسمه - صليباً من الذهب المرصع ببعض الأحجار الكريمة، وقرطاً، وخنجراً من الخناجر الفلورنتينية ذا مقبض فضي. فعرضت عليه أن أبتاعها منه، غير أنني لم أك أحمل الثمن الذي ابتغاه. فلم يأبه لذلك، إذ كانت معاملاته معنا على ما يرام لذلك تناولت منه هذه الأشياء، فوضعت الصليب في صدر ردائي، ودسست الخنجر - وقد غاب في قرابه - في جيب خفي. . .
وما أن فارقني بوديني، حتى عدت ثانية، نهبة للهواجس وفريسة للهموم. ولما بارحت الحانة، كانت الأضواء تتلألأ مؤتلقة في المدينة وقد تصاعد ضجيج الجماهير المندمجة في مهرجانات (الكرنفال) كهدير الأمواج الصاخبة. فوقفت برهة موزع الخاطر متحيراً، ثم تحولت نحو ساحة الاحتفال، وأنا أسائل نفسي. . . أما كان يحسن بي أن أيمم شطر بيت جيوفانا؟. . .
لاحت لي المدينة كمجنونة اكتسحتها نشوة الفرح التي يبعثها العيد، وقد تراءت كشعلة من النيران، وبدا الناس وهم صرعى نوبة من الخبل المرح، يحيطون بالساحة يشاهدون (مصارعة الثيران) فاندمجت بينهم، وقد تناسيت جيوفانا. حتى إذا انتهى الصراع، وتشتت القوم متفرقين وجدتها أمامي!
كانت في صحبة رجل. . . وقد أولياني ظهريهما فلم يرياني، بينما أحاط الرجل خصرها