للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن هبطت للقائي. . .

وكنت أقف في الحجرة التي اقتدت إليها عند حضوري، متكأً إلى منضدة في قبالة الباب، عندما قدمت. فما رأتني حتى حدقت في وجهي دهشة وتساءلت:

- لماذا عدت ثانية؟

فأطلقت ضحكة عالية، ولم أنبس ببنت شفة. وإذ ذاك تراجعت وقد لاح على محياها الفزع؛ غير أنني لم أفكر في أن خوفها هذا قد يكون منبعثاً عن غرابة مظهري وعن إخلاصها لي. وإنما خلت أنها فطنت إلى أنني كشفت خيانتها، فكان هذا مصدر جزعها، لذلك صحت بها:

- ما اسمه؟

- اسم من؟

- من!؟ الرجل الذي أوصلك إلى باب هذا المنزل منذ ساعة

- إنني لم ألتق بسواك هذا المساء. . .

لاح لي أنها كانت تنطق عن حقيقة وصدق. فبدأت أفهم الأمر. . . لابد أن ثمة شخصاً أتخذ مظهري وتقدم إليها منتحلاً شخصيتي. فلما أفضيت إليها بما ساورني ضحكت قائلة:

- لقد كنت أنت الذي رافقني، وقد وضعت على وجهك قناعاً زائفاً. . . ثم كان موعدنا وملتقانا عند فونتي مارجيوري، وهذا ما لا يعرفه سوانا. . .

فصحت:

- يا لله!. . . ولكنني لم أقابلك إذ تأخرت عن موعدنا. . .

خيل إليّ أنها ظنتني مجنوناً أو كاذباً. . . وتراءى لي الأمر كحلم، فظللت صامتاً يداخلني الشك في صحة قواي العقلية؛ بل أيقنت أنني مجنون، فرفعت القناع القرمزي عن وجهي وأطرقت إلى الأرض. ثم. . . تذكرت الرجل الذي خلفته مستنداً إلى الباب في تلك الطريق القفرة بعد أن سلبته الحياة. وإذ ذاك خيل إليّ أن ثمة قوى خفية تسيطر عليّ وتدفعني إلى أن أغادر البيت. . البيت الذي دخلته لأقضي على جيوفانا، فخلفته وأنا نصف مجنون، تسوقني قوى خفية - رغم إرادتي - إلى حيث لا أدري. . .

وجدتني أخيراً عند باب بيتي. . . وكان المنزل مظلماً عندما ولجته، فأغلقت الباب خلفي وتقدمت. وإذ ذاك سمعت والدي يصيح متسائلاً عن القادم، إذ كان ملازماً حجرته لمرضه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>