لقد جمعتني المصادفة بزوجك، فليتك تعلم مقدار ما كان لها في قلبي من محبة، وفي نفسي من مكانة، كلما تمثل لي وجهها الشاحب ومحياها الجميل المرسومة عليه آثار الحزن العميق؛ تألمت لها وأشفقت عليها كأنها أختيي، فيالله من سوء ما جنيت عليها وهول ما سقت اليها من العذاب على غير علم مني بذلك ولا رغبة فيه ولا قصد اليه.
أتمثلها واقفة أمامك مع أولادها تنظر اليك نظرة الاسترحام والاستعطاف والدموع ملء محاجرها، ولسان حالها يقول:(لماذا أدرت عنا وجهك وطويت دوننا كشحك؟ لماذا تغير قلبك علينا منذ شهرين؟).
أكتب اليك ولا أدري كيف أرسل اليك هذه الرسالة، ولا أعلم ما الذي سيكون من أثرها في نفسك؟ يخيل إلى أنها ستصل اليك وزوجك نائمة في فراشها وحولها أطفالها يغطون في نومهم، فاذا وقعت في يدك جلست االى منضدتك ونشرت الكتاب عليها وجعلت رأسها بين كفيك ثم اخذت تقرؤها. . ولعلك لا تنتهي من قراءة الصفحة الأولى حتى تشعر بأن غشاء الغفلة الذي يغشى عينيك اخذ ينقشع عنهما، وتعلم يقيناً انك كنت تابعاً لحس غير ثابت الأساس، أجل! كنت تابعاً لذلك الحس محاطاً به مغلوباً له خاضعاً لسلطانه مشغولاً به عن كل ما يجب عليك، كانك كنت جاهلا حتى الآن ان من العيب على المرء ان يسير وراء عواطفه وان ينقاد لها فتسوقه إلى المهاوي.
في تلك اللحظة تشعر انك لا تزال تحب زوجك واولادك فتتحرك الشفقة في قلبك وتترك العنان لدموعك فتجري. . أجل أترك لها العنان تنسيل فوق تلك الورقة التي كلفت أن تخبرك بانتهاء تلك الرؤيا المخيفة. . .
آه. إني لا أجد ملجأ يلجأ اليه المرء لتطهير قلبه مثل دموعه، يخيل إلى أنك الآن تبكي، أليس كذلك؟ إبك ما ساعدتك الدموع وأسعفتك الجفون: وغداً، أجل! غداً ستأخذ أسرتك وتهرب مني. أجل خذها ثم الفرار الفرار.
والآن أتمثلك وقد نهضت عن كرسيك مطمئن القلب؛ وقد اخذت الورقة بيدك وأحرقتها بنار الشمعة المضاءة أمامك، ثم مشيت على رؤوس أصابع رجليك، وخرجت من غرفتك نحو غرفة زوجك وأولادك، وأنت حذر كل الحذر أن توقظهم بوقع قدميك، ثم طبعت قبلة طويلة على جبين كل من زوجتك وإبنك وإبنتك.