للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولز كأنه يراه.

ثم جاءت هذه الحرب، وعرفنا ما صنعت الطيارات الألمانية في بولندا، وما فعلت الطيارات الروسية بالمدن الفنلندية، وشهدنا صوراً من آثار التخريب فيما تعرضه دور السينما، وكنا قبل ذلك رأينا مناظر تخريب الطيارات اليابانية في الصين، ولكن الحرب اليابانية الصينية كانت لبعدها تبدو لي كأنها تدور في غير كوكبنا، ولم أكن أتصور أن تدور الحرب على هذا النحو في عالمنا القريب. ثم أخلفت الحوادث هذا الظن السخيف وغرقت عواصم الأمم المتحاربة وبلدانها الكبيرة في ظلام دامس، وقامت حكومتنا تتخذ الأهبة لدفع الأذى عن المدن وأهلها، إذا امتدت الحرب إلينا فأطفأت الأنوار إلا أقلها، وحفرت الخنادق، وبنت المخابئ، وأطلقت الأنوار الكاشفة في الليل، ونصبت المدافع فألفيت نفسي أتساءل: أتراني لا أزال أعد ولز مبالغاً في التخيل ومشتطاً في التصور؟

ماذا تصنع الأمم بعد هذه الحرب؟ أتظل ترفع البنى وتعليها فوق الأرض وتقيم المصانع على ظهرها؟ لا أظن؟ إلا إذا اهتدت إلى مادة لا تنال منها القنابل الهادمة والمحرقة، وعسير بلوغ هاتيك جداً - كما يقول الشاعر. وهبها فعلت واهتدت، فإن العلم الذي يوفقها إلى ذلك خليق أن يدلها على ما يهدمه، فإن البلاء والداء العياء أن كل ما يثمره العلم، يسخر لأغراض الحرب كما يسخر لأغراض السلم، فلا سبيل إلى السلامة إلا بالفرار إلى باطن الأرض، وحريي بذلك أن يكون له أثره في هندسة البناء، أو بعبارة أدق في شيوع طراز جديد، فقد ظهرت في البلاد المحاربة مبان ذات طبقات ممتدة في جوف الأرض يلجأ إليها الناس ويحتمون بها من الغارات الجوية

وفي هذا المعنى يقول الجنرال بوشيري في فصل له نشرته مجلة ونقلته عنها صحف بريطانية (إن الحرب الحديثة تعرض سكان البلاد كلها لأخطار القتال، وتفرض على الأمم أن تتخذ الأهبة الكافية للدفاع السلبي، وهذا يستوجب أن تجري الأعمال الحيوية كلها - من مدنية وعسكرية - في جوف الأرض، ومن الجلي أن المساكن الجديدة يجب أن تكون لها طبقات سفلية أو متصلة بمبان سفلية مجاورة لها تصلح أن تكون بديلاً من المساكن العلوية، إذا اقتضت الحاجة الالتجاء إليها)

ونحن أبناء هذا العصر، نستغرب أن تنتقل حياتنا من فوق ظهر الأرض إلى قلبها، فإن

<<  <  ج:
ص:  >  >>