هي ظروف الفوضى الاجتماعية في انتقال الأزهر من حال إلى أحوال، يوم كان تدريس العلوم الحديثة موضع خلاف، ويوم كان القول بكروية الأرض يلقى ألف اعتراض
والشيخ المراغي من أكابر هذا الزمن، ولكنه سيذهب بعد عمر طويل بلا تاريخ طويل، لأن بيئة الأزهر قد صلحت واستنارت فلم تعد تحتاج إلى مصلح يتشرف بعدوان الاضطهاد
فإن أراد الأزهريون أن يكون لشيخهم تاريخ طويل فليتكلفوا الغفلة عن مطالب العصر الحديث ليجد شيخهم فرصة الدعوة إلى اعتناق مذاهب التفكير في الجيل الجديد
أرجوكم للمرة الثانية أو الثالثة أن تذكروا أني لست من أنصار الفوضى الاجتماعية، وإنما أنا مؤرخ لظاهرة من الظواهر الأدبية والفلسفية، والمؤرخ غير مسؤول عن حوادث التاريخ
وكم تمنيت السلامة من مكارة الفوضى التي تثور في صدري والتي قضت بأن يكون ميدان قتال بين الملائكة والشياطين
في صدري أتُّون يأخذ وَقوده من الأحلام والأوهام والحقائق والأباطيل، ثم يقول في كل لحظة: هل من مزيد؟
وهذا الأتون يفرض عليَّ أحياناً أن أُلقم فم الشره الأكول بأكداس من الآراء تُشْبه الحطب المعطوب ليسكت عني لحظة أو لحظتين، كما يقدم الأعرابي لناره الموقدة أكداساً من العظام والتراب! ويشهد الله أني أكره أشد الكره بعض ما يصدر عن قلمي، ولكن ماذا أصنع وفي صدري نار تأكل الحجر والطوب حتى يعييها أن تجد الوقود الصالح من جذوع الشجر والنخيل؟ ولكني أتعزى كلما ذكرت الحكمة التي تقول:(لو أنصف الناس استراح القاضي). فشيوع المظالم بين الناس هو الذي خلق الثروة التشريعية، وهو الذي قضى أن يكون في الدنيا قضاة ومفتون ومحامون. ولو سلم المجتمع من الاضطراب لأغلقت المحاكم، ولم يبق أمام الأستاذ لطفي جمعة إلا الفرار إلى الريف ليأخذ قوته مما تخرج الأرض بجهاد الفأس والمحراث، ويومئذ يُحرَم الأدب من خطبة نفسية يحاورني بها في المدرَّج الأكبر بكلية الآداب، وتحرمون تكلُّف الرفق في التصفيق له بغير حق!
لو أنصف الناس واستراح القاضي لخلت الدنيا من المؤلفات النفيسة التي صدرت عن