للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ذلك هو سليمان بن علي أخو عبد الله وعم أبي العباس، فقد ولاه البصرة وسلطه على من كان بها من بني أمية، فقتل من كان بها منهم وألقاهم في الطريق فأكلتهم الكلاب) وبعد أسطر قليلة يقول الأستاذ الذي يرمينا بالغفلة: (ويطول بنا الكلام لو ذهبنا نستقصي ما سفك أبو العباس وأعمامه واخوته (مع العلم بأن التاريخ لا يعرف لأبي العباس أخوة سفاكين يسأل عن جرائمهم) من الدماء. ولقد كانوا كلهم شركاء فيما عدا سليمان بن علي فإنه كان أحنهم على بني أمية وكان يكره سفك دمائهم، ويجير كل من استجار منهم الخ) والظاهر أن الأستاذ أحس هذا التناقض العجيب وأراد أن يتلافاه فكان أعجب وأغرب، إذ عقب على الفقرة الأخيرة بقوله في هامش المقال الثاني: (هكذا روى عنه صاحب العقد وهو ينافي ما ذكرناه من قتله من كان في بني أمية بالبصرة. . . فلعل هذه الشفقة أدركته أخيرا عليهم). ولولا أن الأستاذ الصعيدي جاد فيما يقول لقلنا إنه تعمد أن يورد في هذا البحث الدامي فصلاً مضحكا يرفه به عن القراء

والواقع أن لا أبو العباس ولا عمه سليمان بن علي يمكن أن يوصفا بأنهما سفاحان سفاكان، وذلك لسبب واضح هو أنه لم يكن في العراق في وقتها أمويون يمكن أن يبسطا إليهم يد القتل والمثلة. فمن يتعمق درس التاريخ الأموي يعلم أن العراق لم يكن في وقت من الأوقات موطناً لبني أمية وبخاصة في أخريات عهدهم عندما انبثقت عليهم فيه البثوق التي زعزعت ملكهم، وكادت تأتي على سلطانهم قبل زحف العباسيين من المشرق.

إنما كان موطن بني أمية ومحل عصبيتهم الشام ثم الحجاز. فإذا سكتت المصادر التاريخية القديمة عن أن تنسب إلى أبي العباس قتل بني أمية أو قال صاحب العقد إن سليمان بن علي كان شديد الحنو على من يلجأ إليه من بني أمية، كان هذا السكوت وذلك القول هو المعقول والمتفق وحقيقة الحال. وإذا اقتصر الطبري على ذكر من قتل الأمويين إنه إنما كان في الشام والحجاز كان ذلك منطبقاً على الحقيقة والواقع

مما تقدم يرى القارئ أن الأستاذ الصعيدي على عنف محاولته (إدانة) أبي العباس وتسويغ تلقيبه بالسفاح لم يكن موفقاً، بل هو لم يخرج في واقع الأمر قيد شعرة عن مضمون قولنا: (إن سيرة أبي العباس قبل الخلافة وبعدها لا تسوغ تلقيبه بالسفاح بحال من الأحوال)

ولننتقل الآن إلى مناقشة موقف الأستاذ الصعيدي من المصادر واختلافها في لقب السفاح

<<  <  ج:
ص:  >  >>